الاتحاد الاروبى يكسب حلفاؤ ا جددا من محمد الريس

كتبت صحيفة "كوميرسانت" يوم 13 يناير/كانون الثاني مقالة تحت هذا العنوان.

انعقد في بروكسل يوم 12 يناير/كانون الثاني اجتماع اللجنة الاوروبية للطاقة الذي اتفق فيه وزراء الطاقة في بلدان الاتحاد الاوروبي على تقليص اعتماد اوروبا على الطاقة الروسية. وسيتخذ الاتحاد الاوروبي خطوة اولى في هذا الاتجاه بعقد منتدى في العاصمة المجرية بودابست في اواخر شهر يناير/كانون الثاني لبحث انجاز مشروع "نابوكو" المار بالالتفاف على الاراضي الروسية. والآن صار شركاء روسيا التقليديون في مشروعي السيلين الشمالي والجنوبي مثل المانيا والمجر يبدون الاستعداد للعمل على تنفيذ مشاريع منافسة. ويعرب الخبراء عن ثقتهم بان تخفيض حصة شركة "غازبروم" في السوق الاوروبية يعد أمرا لا مفر منه...

اجندة طارئة

وناقش 27 وزيرا أوروبيا الآثار الاستراتيجية البعيدة المدى الناجمة عن الازمة الحالية بين روسيا واوكرانيا بالنسبة لأمن الطاقة في الاتحاد الاوروبي. وصرح مصدر في المفوضية الاوروبية لصحيفة "كوميرسانت" بان الجميع يهتمون بالا يتكرر ذلك ابدا في المستقبل. وأكد الوزراء السياسة الرامية الى تنويع موارد الطاقة لاوروبا ، كما انهم أكدوا كافة التدابير التي تنص عليها استراتيجية الطاقة في الاتحاد الاوروبي حتى عام 2020 المتفق عليها في نوفمبر/كانون الثاني الماضي ، بما فيها زيادة حصة الطاقة الواردة من مصادر جديدة. وسيتم البحث التفصيلي لهذا الموضوع في فبراير/شباط القادم.

هذا وقد أكدت بروكسل نيتها في تنويع مسارات ومصادر الطاقة بغية تخفيض اعتماد اوروبا على روسيا. وقد اتفق الاتحاد الاوروبي على تنشيط العمل في هذا المضمار في أعقاب حرب اغسطس بين روسيا وجورجيا.

ويحتوي القرار الختامي الصادر عن قمة الاتحاد الاوروبي التي عقدت في 1 سبتمبر/ ايلول الماضي لبحث نتائج الحرب في القوقاز علي بند مفاده ان اوروبا يجب ان تفكر في اعتمادها المفرط على روسيا وان تستحث العمل على ايجاد مخرج من هذا الوضع. وترى بروكسل ان حل هذه القضية يكمن في بناء خطوط انابيب تربط اوروبا بمنطقة ما وراء القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الاوسط دون المرور بالاراضي الروسية.

طرق بديلة

وقد تم مدبعض هذه الانابيب. وعلى سبيل المثال فقد انجز في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2007 بناء خط انابيب الغاز بطول 296 كيلومتر بين تركيا واليونان والذي تبلغ قدرته على تمرير الغاز 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا. ويجب ان تزداد هذه القدرة في عام 2012 حتى 11 مليار متر مكعب. اما الانبوب ذاته فينبغي ان يغدو جزءا لا يتجزأ من منظومة انابيب الغاز " انتر كونكتور" التي تربط تركيا واليونان وايطاليا. والجدير بالذكر ان خط انابيب الغاز التركي اليوناني سيستخدم منذ عام 2009 لتوريد مليار واحد متر مكعب من الغاز الاذربيجاني الى اليونان. وقد وقع ناطق علييف وزير الطاقة الاذربيجاني وكريستوس فولياس وزير التنمية اليوناني في سبتمبر/ايلول الماضي اتفاقية بهذا الشأن. ويصل الغاز الاذربيجاني الى تركيا عبر خط انابيب الغاز "باكو – تبليسي- ارضروم" الذي تم تشغيله في ديسمبر/كانون الاول عام 2006.

الا ان الامل الرئيسي بصدد تنويع مصادر الغاز يعلق على تحقيق مشروع خط الانابيب "نابوكو" المار بالالتفاف على روسيا بصفته مشروعا بديلا لمشروعي السيلين الشمالي والجنوبي المدعومين من قبل موسكو.

ويقضي مشروع "نابوكو" بأنشاء خط انابيب الغاز بطول 3300 كيلومتر من ميناء ارضروم التركي حتى مدينة باومغاردن. وسيمر خط الانابيب ايضا عبر اراضي بلغاريا ورومانيا وهنغاريا. وتقدر قيمة المشروع ب 7.9 مليار يورو. ومن المتوقع ان يجري بناء اول مرحلة لخط انابيب الغاز في الفترة ما بين عام 2010 وعام 2012 . ويجب ان تبلغ قدرته التمريرية بحلول عام 2013 حوالي 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا. اما ابتداءا من عام 2018 فسيكون باستطاعة مشروع "نابوكو" ان ينقل الى أوروبا 31 مليار متر مكعب سنويا. وقد عقدت الاتفاقية الاولى في إطار المشروع في يونيو/حزيران الماضي حين قررت بلغاريا شراء مليار متر مكعب من الغاز الاذربيجاني ، مما يشكل نسبة 18 % من احتياجات البلاد السنوية.

وقد طرحت المجر بعد وقوع الحرب في جورجيا مبادرة عقد قمة للدول المشاركة في مشروع "نابوكو" في يناير/كانون الثاني الجاري بمدينة بودابست ووُجهت دعوة لحضورها الى ممثلي الدول المصدرة للغاز من منطقة ما وراء القوقاز وآسيا الوسطى وقيادة الاتحاد الاوروبي وادارة الولايات المتحدة ، الامر الذي اثار استياء موسكو ، علما بان المجر هي احدى شريكات "غازبروم" في مشروع خط انابيب الغاز"السيل الجنوبي". وافاد كريستيان دوليتسال المتحدث الرسمي باسم شركة " نابوكو غاز بايبلاين" المشغلة للمشروع في يوم 12 يناير/كانون الثاني بان القمة ستعقد في 26-27 يناير/كانون الثاني الجاري ببودابست. وسيحضرها الوزراء وربما رؤساء الوزراء من النمساء وبلغاريا والمانيا ورومانيا وتركيا. ويعتبر هذا اللقاء ملحا في ظل تطورات الاحداث الاخيرة حول اوكرانيا. ويظهر ان المشروع الذي يراه الكرملين منافسا له بات يجمع حلفاء موسكو الاساسيين في الاتحاد الاوروبي.

وستقدم الولايات المتحدة دعما سياسيا لمشروع "نابوكو" . وصرح ميثيو برايزا مساعد نائب وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون منطقة ما وراء القوقاز لصحيفة "كوميرسانت" بان " انشاء مسارات جديدة لنقل غاز بحر قزوين الى الاسواق الاوروبية يتحول الى مهمة عاجلة بعد ان قطعت روسيا ترانزيت الغاز كله عبر اوكرانيا" واضاف قائلا: " بحسب تقييماتنا فان مشروع "نابوكو" سيكون بالنسبة الى اوروبا ارخص بحوالي 40-50% من مشروع السيل الجنوبي.

وتم في الاونة الاخيرة تنشيط العمل للبحث عن موارد لتنفيذ مشروع "نابوكو" .

هذا وقد انعقدت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتركمانيا القمة الثلاثية لرؤساء اذربيجان وتركمانيا وتركيا الذين ناقشوا فيها امكانيات التعاون بين الدول الثلاث في مجال الطاقة. و اعلنت شركة " Gaffney Cline & Associates" البريطانية للاحصاء والحسابات ان موارد حقل الغاز "يولتان – عثمان الجنوبي" التركماني تقدر ب 4 مليارات تريليون متر مكعب من الغاز. ويعني ذلك ان الامكانيات تتوفر لدى عشق اباد لبيع الغاز الى موسكو وبروكسل وحتى الى بكين.

وينبغي ان يحل خط انابيب الغاز عبر بحر قزوين مشكلة ربط تركمانيا بمشروع " نابوكو". وتقوم شركة " Granherne " حاليا بدراسات الجدوى الاقتصادية لهذا الانبوب ، وذلك بتمويل من الحكومة الامريكية. و أفاد مصدر في مكتب الشركة بلندن لصحيفة "كوميرسانت" دون ان يتطرق الى ال تفاصيل بان العمل في هذا المجال يجري بنشاط. وبالاضافة الى ذلك فان شركة "OMV" النمساوية وشركة "RVF " الالمانية المشاركتين في مشروع " نابوكو" أسستا شركة "Caspian Energy Company" بغية إجراء دراسات حول مد انبوب الغاز في قاع بحر قزوين. ويستنتج ميخائيل كورتشيمكين من شركة East European Gaz Analisis"" قائلا: " لا شك ان تركمانيا ستشارك في مشروع " نابوكو" أخذا بعين الاعتبار مواردها والعروض الواردة من الزبائن حول مد خط انابيب لتصدير الغاز على حسابهم".

اذن فان حرب الغاز بين روسيا واوكرانيا دفعت في واقع الامر اوروبا الى البحث عن مسارات للطاقة لا تمر بروسيا. وبحسب رأي فاليري نيستيروف ممثل شركة "ترويكا ديالوغ" فان الاتحاد الاوروبي لن يستطيع في الأمد المتوسط ايجاد بديل متكافئ للغاز الروسي. لكن الحرب ستؤثر على كل حال تاثيرا سلبيا في روسيا. ويضيف نيستيروف قائلا: " كانت شركة "غازبروم" منذ قليل تعبرعن رغبتها في السيطرة على ربع سوق الغاز الاوروبية . اما الاحداث الاخيرة فيمكن ان تقلص حصتها بحلول عام 2020 حتى نسبة 20%.

فقدان التوجه

واعلن فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الروسي في 8 يناير/كانون الثاني الجاري الاجراءات التي يمكن ان تتخذها موسكو اذا بدأ الاتحاد الاوروبي في البحث عن مصدرين آخرين للغاز. وقال بوتين: " ان شركة "غازبروم" ستواجه عواقب جدية بسبب تقلص مشتريات الغاز من قبل الاتحاد الاوروبي. لكنها ستتغلب على هذه العقبات وستنشط عملها في اتجاه السوق الاسيوية. واننا نقوم الآن ببناء انبوب النفط المؤدي الى المحيط الهادئ وسنبني بمحاذاته انبوب الغاز المؤدي الى الصين والسوق الاسيوية الحرة". والى جانب ذلك تعهد رئيس الوزراء بانشاء مصانع لتسييل الغاز وبناء ناقلات الغاز البحرية والقيام بتسييل الغاز وتوجيهه الى سوق امريكا الشمالية. وهدد بوتين قائلا: " كنا نعول لدى استصلاح حقل "شتوكمان" على السوق الاوروبية. ولكن اذا استمر الامر كما هو الآن فاننا سنعيد نظرنا ونوجه الغاز الى امريكا".

هذا ويقيم الخبراء تهديدات بوتين بنوع من الشك. ويعبر فاليري نيستيروف ممثل "ترويكا ديالوغ" عن قناعته بان الصين غير جاهزة لاستيراد الغاز بكميات كبيرة. وفي حقيقة الامر فان مباحثات "غازبروم" مع قيادة الصين الشعبية كانت تصل طوال السنوات الاخيرة الى مأزق بسبب عدم الاتفاق على سعر الغاز المقبول للطرفين. وبالاضافة الى ذلك فان عملية مد خط انابيب النفط الى الصين الذي ذكره بوتين لا تجري بالوتائر المرغوب فيها. وبالرغم من توقيع مذكرة التعاون في مجال الطاقة بين روسيا والصين الشعبية في اكتوبر / تشرين الاول الماضي فأن شركتي "روس نفط" و"ترانس نفط" الروسيتين لم تتمكنا خلال الشهرين الماضيين من الاتفاق مع شركة "CNPC "الصينية على شروط تقديم قرض بمبلغ 25 مليار دولار مقابل ارساليات النفط الروسي الى الصين. ويعبر ميخائيل كورتشيمكين مدير شركة" East European Gaz Analisis" عن ثقته بان تغيير مسار ضخ الغاز من أوروبا الى الصين تتسبب في عواقب كارثية بالنسبة للاقتصاد الروسي حتى لو تمكنت موسكو وبكين من التغلب على العقبات. وصرح ميخائيل كورتشيمكين لصحيفة "كوميرسانت" قائلا: "في هذه الحالة ستنخفض العائدات من الغاز المصدر ولن تستطيع شركة "غازبروم" وميزانية روسيا الاتحادية التعويض عن هذه الخسائر الا على حساب رفع اسعار الغاز الداخلية " واضاف قائلا: " لقد وجهت الازمة الاقتصادية وزيادة تعرفات الطاقة في شهر يناير/كانون الثاني الجاري ضربة شديدة الى الصناعة الروسية. اما مثل هذه الاجراءات فيمكن ان تدفنها".

ولا تعتبر الاسواق الآسيوية الاخرى واعدة أكثر ، علما بان سوقي اليابان وتايوان غير شاغرتين . اما كوريا الجنوبية فانها قادرة الآن على استيراد ما لا يزيد عن 10 مليار متر مكعب من الغاز. وقال فاليري نيستيروف ان حجم سوقها لا يتناسب البتة حتى مع حجم السوق الاوروبية. اما السوق الامريكية فان آفاق "غازبروم" فيها لا تبدو متفائلة. ويضيف نيستيروف قائلا: " تتطور السوق في الولايات المتحدة بشكل ارتقائي وليس بشكل قفزات. وثمة عدد كبير من الدول المنافسة كقطر واوستراليا وفنزويلا. بالاضافة الى ان "غازبروم" ستواجه في أمريكا قيودا سياسية تزيد عما يوجد منها في اوروبا.

ولا يترك انعدام مجال المناورة لدى موسكو خيارا آخر لها الا ان تتفق عاجلا او أجلا مع اوروبا. ويقول فاليري نيستيروف ان ذلك لا يمكن ان يتحقق الا عن طريق تحديد قواعد دقيقة للعبة. ومنها قبل كل شيء الفصل بين المصالح الاقتصادية والسياسية".