يوم الحب في عام الكراهية
</IMG>
</IMG> |
| |
</IMG> |
خيري منصور
دعت جمعيات عربية وأصحاب مدونات على الانترنت إلى اعتبار “عيد فالنتاين” يوماً للحداد العاطفي، بحيث يرتدي العشاق اللون الأسود، ويقدمون لبعضهم وروداً حمراء لكنها منقعة في الدم، تماماً كما تقول الحكاية الرومانسية عن البلبل الذي اقترب من وردة، فوخزته شوكة منها في قلبه ونزف حتى اصطبغ ريشه كله باللون الأحمر.
في العام الماضي وفي مثل هذه الأيام شاهد العالم الحمير وهي تقضم الورد المر في غزة، لأن سلطات الاحتلال منعت تصديره من القطاع إمعاناً في الحصار، لكن هذا العام اصطبغ فيه ياسمين غزة وقرنفلها وريش حمائمها بلون الدم، مثلما حدث للأكفان البيضاء التي بللها دم الشهداء والجرحى.
في العام الماضي قلنا إن الفارق بين فالنتاين وبالستاين “بالانجليزية”، لا تقوى حواسيب العالم على احصائه، لا بالأمتار المربعة أو الأميال المسدسة، بل بعدد الصرخات التي اطلقها اطفال حال غزو غزة من دون نومهم لثلاثة أسابيع، ولا أظن أن الامهات في القطاع كن ينومن أطفالهن بالأغنية الشهيرة عن زوج الحمام، لأن الذبح هذه المرة كان من نصيب البشر.
هو يوم أبيض في عام أسود، أو لنقل انه الحب في زمن الكراهية، لكن ليس على طريقة الروائي ماركيز الذي كتب عن الحب في زمن الكوليرا، وان كانت الكوليرا قد عادت إلى غزة والعراق واخيراً إلى زيمبابوي بفضل الظلم وفداحة الشقاء.
إن يوم فالنتاين ليس حكراً على لون أو دين أو جنس، فهو كسائر الأيام التي انتزعها الناس من التقاويم كي يقاوموا بها الرتابة ومن حق الانسان أن يعشق وأن يدافع عن حقوق القلب أمام طاغوت العقل، وعن اللون الأخضر ضد كل هذا الهشيم الذي يحاصر كوكبنا.
لكن للحب وقتاً آخر، وكان الروائي الألماني ريمارك قد استوحى عنوان أهم رواياته من حكمة توراتية عن الحب والموت.. ولكن الرجل الذي كتب في منفاه عن وطنه المختطف في الحقبة النازية جعل الموتى يبكون، بعد أن اشرقت الشمس وأذابت ما تجمد في عيونهم من دمع ومطر. ولو شئنا مقترباً آخر أقل دفئاً لهذا اليوم الذي يتبادل الناس فيه الورود الحمراء لقلنا أن نبوءة جورج أورويل قد تحققت، فقد تنبأ الرجل قبل اكثر من ستة عقود بأيام تنقلب فيها معاني الكلمات ودلالاتها، بحيث يصبح السلام حرباً والحب كراهية والدفء صقيعاً، والمطر يباباً.
تحققت هذه النبوءة لكن ليس في الجغرافيا التي تخيلها الروائي، بل في الجانب الآخر الذي يبشر به البعض عندما وصفوه بالفردوس أو اليوتوبيا التي تتحقق فيها الأحلام وينتهي الشقاء ويعمّ الأرض السلام.
إن العالم لم يفكر حتى الآن بيوم مكرس للكراهية مقابل يوم الحب، وذلك لسبب واحد، هو أن الأيام كلها قد اصبحت من نصيب الكراهية والتنابذ المتبادل، فالاشقاء تحولوا إلى أعداء، والعربي الجريح الذي سقط عن حصانه تذكر ما قاله المتنبي عن نكد الدنيا حين يجد المرء أنه لا بد من صداقة عدو ما من صداقته بدّ.
هكذا أصبح التوأم لدوداً، والعدو ولياً حميماً، لكن ليس وفق موعظة رسولية أو صحوة كونية هزم فيها الشيطان بل بفضل فائض القوة لدى طرف وفائض الضعف لدى طرف آخر.
إنا نحب الحياة، ونبشر بها ونقبل عليها ولا ندبر عنها إلا إذا كانت أنكى من الموت، لهذا فأيامنا المترعة بالدم والبكاء قادرة على اجتراح الحب من كل الجهات المضادة له.
*نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية |