- ثائرعليكزائر
سيرة النبي الاكرم
الأربعاء يونيو 29, 2011 2:33 pm
سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال فترة السنوات العشر من حكم الإسلام في المدينة، هي واحدة من أزهى حقب التاريخ البشري، بل لا مبالغة إن قلنا هي أزهاها على الإطلاق. وحري بنا اعتبار هذه الحقبة الاستثنائية الزاخرة بالأعمال هي صاحبة التأثير على التاريخ البشري. وإنني أوصي الأخوة والأخوات جميعاً لا سيما الشباب منهم بمطالعة تاريخ حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاستلهام منها.
أما السنوات العشر التي قضاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة فتمثل سني إرساء قواعد النظام الإسلامي وبناء أنموذج الحكم الإسلامي لجميع أبناء البشرية على مر التاريخ الإنساني في مختلف الأعصار والأمصار، وهذا الأنموذج كامل لا نجد له نظيراً في أي حقبة أخرى، وبمقدورنا من خلال إلقاء نظرة على هذا الأنموذج الكامل تحديد المعالم التي بها ينبغي لبني البشر ومنهم المسلمون الحكم على الأنظمة وعلى الخلق.
- معالم النظام النبوي:
النظام الذي شيّده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت له الكثير من المعالم، أبرزها وأهمها سبعة هي:
الأول: الإيمان والمعنويات: المَعْلم الأول يتمثل في تحريك روح الإيمان والمعنويات وترسيخها وتغذية أبناء الأمة بالمعتقد والفكر السليم، وهذا ما باشر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة ورفع رايته في المدينة بكل اقتدار.
الثاني: العدل والقسط: فكان منطلق العمل يقوم على أساس العدل والقسط وإعطاء كل ذي حق حقه دون أدنى مجاملة.
الثالث: العلم والمعرفة: فأساس كل شيء في النظام النبوي هو العلم والمعرفة والوعي واليقظة، فهو لا يحرك أحداً نحو اتجاه معين حركة عمياء، بل يحوّل الأمة عن طريق الوعي والمعرفة والقدرة على التشخيص إلى قوة فعالة وليست منفعلة.
الرابع: الصفاء والأخوة: فالنظام النبوي ينبذ الصراعات التي تغذيها الدوافع الخرافية والشخصية والمصلحية والنفعية ويحاربها، فالأجواء هي أجواء تتّسم بالصدق والأخوة والتآلف.
الخامس: الصلاح الأخلاقي والسلوكي: فهو يزكي الناس ويطهرهم من رذائل الأخلاق وأدرانها، ويصنع إنساناً خلوقاً زاكياً (ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، فالتزكية هي إحدى المرتكزات الأساسية التي كان يستند إليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عمله التربوي مع أبناء الأمة فرداً فرداً لبناء الإنسان.
السادس: الاقتدار والعزة: فالمجتمع والنظام النبوي لا يتميز بالذيلية والتبعية والتسوّل من الآخرين، بل يتميز بعزته واقتداره وقدرته على اتخاذ القرار؛ فهو متى ما شخَّص موطن صلاحه سعى إليه وشق طريقه إلى الأمام.
السابع: العمل والنشاط والتقدم المضطرد: فلا وجود للتوقف في النظام النبوي، بل الحركة الدؤوبة والتقدم الدائم، ولا معنى لدى أبنائه للقول أن كل شيء قد انتهى فلنركن إلى الدعة! وهذا العمل بطبيعة الحال مبعث لذة وسرور وليس مدعاة للكسل والملل والإرهاق، بل هو عمل يمنح الإنسان النشاط والطاقة والاندفاع.
وبغية إنجاز هذه المهمة كانت هنالك ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: إرساء قواعد النظام عبر هذه الممارسات.
والمرحلة الثانية: صيانة النظام؛ فمن الطبيعي أن يكون هنالك من يعادي هذا الكيان المتنامي المتعاظم الذي لو أحسَّ به الطواغيت لشعروا بالخطر إزاءه، ولو لم تكن لدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القدرة على الدفاع عن هذا الوليد الميمون بحنكة في مقابل الأعداء، فسيزول هذا النظام وتذهب جهوده سدى، فلا بد له من صيانته.
أما المرحلة الثالثة: فهي عبارة عن إكمال البناء وإعماره.
وهذه المراحل الثلاث تسير إلى جانب بعضها عرضياً.
- أعداء النظام النبوي:
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أن ثمة خمسة أصناف من الأعداء يتربصون بهذا المجتمع الفتي وهم عبارة عن:
العدوّ الأول: وهو عدو ضئيل الأهمية ومحدود لكن ينبغي عدم التغافل عنه في نفس الوقت، إنه القبائل شبه الهمجية التي تحيط بالمدينة وجل حياتها عبارة عن تقاتل وإراقة للدماء وإغارة ونهب وسلب، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصبو إلى إقامة مجتمع سليم آمنٍ ووادع في المدينة فما كان عليه إلا أن يحسب لهؤلاء حسابهم، وهكذا فعل (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تعاهد مع مَنْ تتوفر فيه إمارات الصلاح والهداية مع بقائهم على كفرهم وشركهم بغية تجنب تحرشاتهم.
أما الذين كانت تأبى طبيعتهم الوئام والهداية والصلاح ولا تستقر لهم حال إلا بإراقة الدماء والتوسل بالقوة، فكان أن لاحقهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقمعهم وأخمد نارهم.
العدوّ الثاني: إن ثمة مجموعة من الأشراف المتكبرين العتاة المتنفذين كانت تحكم مكة، وهم على اختلافهم كانوا متحدين بوجه هذا المولود اليافع الجديد، وكان الشعور يراود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لو توانى حتى يداهموه هم فإن الحظ سيحالفهم، لذلك فقد تتبعهم وقد اتسم تعامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع هذا العدو بالتدبير والاقتدار والتأني والصبر بعيداً عن الارتباك، ولم يتراجع أمامه ولو خطوة واحدة، بل كان يتقدم نحوه يوماً بعد يوم وآناً بعد آن.
العدوّ الثالث: وهم اليهود؛ أي الدخلاء الغدرة الذين سرعان ما عبّروا عن استعدادهم لمعايشة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة لكنهم لم يقلعوا عن أعمال الإيذاء والتخريب والخيانة. هؤلاء كانوا على قدر من العلم والوعي وذوي تأثير كبير على أفكار ضعاف الإيمان من الناس ويحوكون الدسائس ويزرعون اليأس في قلوب الناس ويثيرون الفتن بينهم، فكانوا يمثلون عدواً منظماً، فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلك معهم سبيل المداراة ما أمكنه، لكنه، لما لمس منهم عدم استجابتهم لهذه المداراة بادر إلى معاقبتهم.
العدوّ الرابع: وهم المنافقون في داخل المدينة من الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وكانوا يتميزون بضيق الرؤية والقابلية على التعاون مع العدو، لكنهم يفتقدون التنظيم وهذا ما يميزهم عن اليهود.
العدوّ الخامس: هو عبارة عن العدوّ الكامن في باطن كل مسلم ومؤمن وهو الأخطر من بين جميع الأعداء، وهذا العدو معشش فينا أيضاً، إنه الأهواء النفسية والأنانية والجنوح نحو الانحراف والضلال والانزلاق الذي يصطنعه الإنسان نفسه، وقد خاض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع هذا العدو صراعاً مريراً، غاية الأمر أن آلة الصراع مع هذا العدو لا تتمثل بالسيف، بل التربية والتزكية والتعليم والتحذير، فلما عاد المسلمون من الحرب قال لهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. فتعجب المسلمون من قوله وسألوه: ما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟! لقد خضنا غمار هذا الجهاد المرير، فهل من جهاد أكبر منه؟! قال: نعم، إنه جهاد النفس. فإذا ما صرح القرآن الكريم: {الذين في قلوبهم مرض} فذلك لا يعني أنهم منافقون، بل بعض المنافقين في عداد الذين في قلوبهم مرض، ولكن ليس كل «الذين في قلوبهم مرض» من المنافقين، فربما يكون المرء مؤمناً لكنه في قلبه مرض، فماذا يعني هذا المرض؟ إنه يعني ضعف الأخلاق والشخصية، والشهوانية والجنوح نحو مختلف الأهواء التي إن لم تبادر للحد منها ومقارعتها فإنها ستأتي على الإيمان من الداخل وستؤدي بالتالي إلى خوائك داخلياً، وإذا ما استلب الإيمان منك وخلا باطنك وظل الإيمان ملاصقاً لظاهرك، إذ ذاك ستدخل ضمن الذين يطلق عليهم اسم «المنافق»؛ فلو خلت قلوبنا أنا وأنتم من الإيمان وبقي ظاهرنا متلبساً بالإيمان، وقطعنا أواصر الإيمان وعلائقه، بيد أن ألسنتنا ظلت تلهج بالتعابير الإيمانية، فهذا هو النفاق وهو من الخطورة بمكان؛ والقرآن الكريم يصرح {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله} (الروم: 10)، وذاك هو السوء المبين، ألا وهو التكذيب بآيات الله. ويقول في موضع آخر: {فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه} (التوبة: 77). وهذا هو مكمن الخطر الذي يتهدد المجتمع الإسلامي، وحيثما شاهدتم في التاريخ انحرافاً في المجتمع الإسلامي فإنه يمثل منطلق هذا الانحراف.
أما السنوات العشر التي قضاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة فتمثل سني إرساء قواعد النظام الإسلامي وبناء أنموذج الحكم الإسلامي لجميع أبناء البشرية على مر التاريخ الإنساني في مختلف الأعصار والأمصار، وهذا الأنموذج كامل لا نجد له نظيراً في أي حقبة أخرى، وبمقدورنا من خلال إلقاء نظرة على هذا الأنموذج الكامل تحديد المعالم التي بها ينبغي لبني البشر ومنهم المسلمون الحكم على الأنظمة وعلى الخلق.
- معالم النظام النبوي:
النظام الذي شيّده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت له الكثير من المعالم، أبرزها وأهمها سبعة هي:
الأول: الإيمان والمعنويات: المَعْلم الأول يتمثل في تحريك روح الإيمان والمعنويات وترسيخها وتغذية أبناء الأمة بالمعتقد والفكر السليم، وهذا ما باشر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة ورفع رايته في المدينة بكل اقتدار.
الثاني: العدل والقسط: فكان منطلق العمل يقوم على أساس العدل والقسط وإعطاء كل ذي حق حقه دون أدنى مجاملة.
الثالث: العلم والمعرفة: فأساس كل شيء في النظام النبوي هو العلم والمعرفة والوعي واليقظة، فهو لا يحرك أحداً نحو اتجاه معين حركة عمياء، بل يحوّل الأمة عن طريق الوعي والمعرفة والقدرة على التشخيص إلى قوة فعالة وليست منفعلة.
الرابع: الصفاء والأخوة: فالنظام النبوي ينبذ الصراعات التي تغذيها الدوافع الخرافية والشخصية والمصلحية والنفعية ويحاربها، فالأجواء هي أجواء تتّسم بالصدق والأخوة والتآلف.
الخامس: الصلاح الأخلاقي والسلوكي: فهو يزكي الناس ويطهرهم من رذائل الأخلاق وأدرانها، ويصنع إنساناً خلوقاً زاكياً (ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، فالتزكية هي إحدى المرتكزات الأساسية التي كان يستند إليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عمله التربوي مع أبناء الأمة فرداً فرداً لبناء الإنسان.
السادس: الاقتدار والعزة: فالمجتمع والنظام النبوي لا يتميز بالذيلية والتبعية والتسوّل من الآخرين، بل يتميز بعزته واقتداره وقدرته على اتخاذ القرار؛ فهو متى ما شخَّص موطن صلاحه سعى إليه وشق طريقه إلى الأمام.
السابع: العمل والنشاط والتقدم المضطرد: فلا وجود للتوقف في النظام النبوي، بل الحركة الدؤوبة والتقدم الدائم، ولا معنى لدى أبنائه للقول أن كل شيء قد انتهى فلنركن إلى الدعة! وهذا العمل بطبيعة الحال مبعث لذة وسرور وليس مدعاة للكسل والملل والإرهاق، بل هو عمل يمنح الإنسان النشاط والطاقة والاندفاع.
وبغية إنجاز هذه المهمة كانت هنالك ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: إرساء قواعد النظام عبر هذه الممارسات.
والمرحلة الثانية: صيانة النظام؛ فمن الطبيعي أن يكون هنالك من يعادي هذا الكيان المتنامي المتعاظم الذي لو أحسَّ به الطواغيت لشعروا بالخطر إزاءه، ولو لم تكن لدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القدرة على الدفاع عن هذا الوليد الميمون بحنكة في مقابل الأعداء، فسيزول هذا النظام وتذهب جهوده سدى، فلا بد له من صيانته.
أما المرحلة الثالثة: فهي عبارة عن إكمال البناء وإعماره.
وهذه المراحل الثلاث تسير إلى جانب بعضها عرضياً.
- أعداء النظام النبوي:
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أن ثمة خمسة أصناف من الأعداء يتربصون بهذا المجتمع الفتي وهم عبارة عن:
العدوّ الأول: وهو عدو ضئيل الأهمية ومحدود لكن ينبغي عدم التغافل عنه في نفس الوقت، إنه القبائل شبه الهمجية التي تحيط بالمدينة وجل حياتها عبارة عن تقاتل وإراقة للدماء وإغارة ونهب وسلب، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصبو إلى إقامة مجتمع سليم آمنٍ ووادع في المدينة فما كان عليه إلا أن يحسب لهؤلاء حسابهم، وهكذا فعل (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تعاهد مع مَنْ تتوفر فيه إمارات الصلاح والهداية مع بقائهم على كفرهم وشركهم بغية تجنب تحرشاتهم.
أما الذين كانت تأبى طبيعتهم الوئام والهداية والصلاح ولا تستقر لهم حال إلا بإراقة الدماء والتوسل بالقوة، فكان أن لاحقهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقمعهم وأخمد نارهم.
العدوّ الثاني: إن ثمة مجموعة من الأشراف المتكبرين العتاة المتنفذين كانت تحكم مكة، وهم على اختلافهم كانوا متحدين بوجه هذا المولود اليافع الجديد، وكان الشعور يراود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لو توانى حتى يداهموه هم فإن الحظ سيحالفهم، لذلك فقد تتبعهم وقد اتسم تعامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع هذا العدو بالتدبير والاقتدار والتأني والصبر بعيداً عن الارتباك، ولم يتراجع أمامه ولو خطوة واحدة، بل كان يتقدم نحوه يوماً بعد يوم وآناً بعد آن.
العدوّ الثالث: وهم اليهود؛ أي الدخلاء الغدرة الذين سرعان ما عبّروا عن استعدادهم لمعايشة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة لكنهم لم يقلعوا عن أعمال الإيذاء والتخريب والخيانة. هؤلاء كانوا على قدر من العلم والوعي وذوي تأثير كبير على أفكار ضعاف الإيمان من الناس ويحوكون الدسائس ويزرعون اليأس في قلوب الناس ويثيرون الفتن بينهم، فكانوا يمثلون عدواً منظماً، فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلك معهم سبيل المداراة ما أمكنه، لكنه، لما لمس منهم عدم استجابتهم لهذه المداراة بادر إلى معاقبتهم.
العدوّ الرابع: وهم المنافقون في داخل المدينة من الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وكانوا يتميزون بضيق الرؤية والقابلية على التعاون مع العدو، لكنهم يفتقدون التنظيم وهذا ما يميزهم عن اليهود.
العدوّ الخامس: هو عبارة عن العدوّ الكامن في باطن كل مسلم ومؤمن وهو الأخطر من بين جميع الأعداء، وهذا العدو معشش فينا أيضاً، إنه الأهواء النفسية والأنانية والجنوح نحو الانحراف والضلال والانزلاق الذي يصطنعه الإنسان نفسه، وقد خاض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع هذا العدو صراعاً مريراً، غاية الأمر أن آلة الصراع مع هذا العدو لا تتمثل بالسيف، بل التربية والتزكية والتعليم والتحذير، فلما عاد المسلمون من الحرب قال لهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. فتعجب المسلمون من قوله وسألوه: ما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟! لقد خضنا غمار هذا الجهاد المرير، فهل من جهاد أكبر منه؟! قال: نعم، إنه جهاد النفس. فإذا ما صرح القرآن الكريم: {الذين في قلوبهم مرض} فذلك لا يعني أنهم منافقون، بل بعض المنافقين في عداد الذين في قلوبهم مرض، ولكن ليس كل «الذين في قلوبهم مرض» من المنافقين، فربما يكون المرء مؤمناً لكنه في قلبه مرض، فماذا يعني هذا المرض؟ إنه يعني ضعف الأخلاق والشخصية، والشهوانية والجنوح نحو مختلف الأهواء التي إن لم تبادر للحد منها ومقارعتها فإنها ستأتي على الإيمان من الداخل وستؤدي بالتالي إلى خوائك داخلياً، وإذا ما استلب الإيمان منك وخلا باطنك وظل الإيمان ملاصقاً لظاهرك، إذ ذاك ستدخل ضمن الذين يطلق عليهم اسم «المنافق»؛ فلو خلت قلوبنا أنا وأنتم من الإيمان وبقي ظاهرنا متلبساً بالإيمان، وقطعنا أواصر الإيمان وعلائقه، بيد أن ألسنتنا ظلت تلهج بالتعابير الإيمانية، فهذا هو النفاق وهو من الخطورة بمكان؛ والقرآن الكريم يصرح {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله} (الروم: 10)، وذاك هو السوء المبين، ألا وهو التكذيب بآيات الله. ويقول في موضع آخر: {فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه} (التوبة: 77). وهذا هو مكمن الخطر الذي يتهدد المجتمع الإسلامي، وحيثما شاهدتم في التاريخ انحرافاً في المجتمع الإسلامي فإنه يمثل منطلق هذا الانحراف.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى