الدولة القُطرِية
الجمعة سبتمبر 04, 2009 10:13 pm
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
الدولة القطرية مسكونة بفيروسات مضادة للوحدة
الحفاظ على وحدتها وهيبتها إنجاز
يقال أن التاريخ إلى تقدم دائماً، وانه لا يعود بظهره للوراء، وان اليوم أفضل من الأمس، والغد أفضل من اليوم، لكن هذا القانون أو المعيار قد لا يكون صالحا للتعامل مع الواقع العربي الراهن وخاصة مسألة الوحدة.
</BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE>الحفاظ على وحدتها وهيبتها إنجاز
يقال أن التاريخ إلى تقدم دائماً، وانه لا يعود بظهره للوراء، وان اليوم أفضل من الأمس، والغد أفضل من اليوم، لكن هذا القانون أو المعيار قد لا يكون صالحا للتعامل مع الواقع العربي الراهن وخاصة مسألة الوحدة.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وهو العام نفسه الذي شهد ولادة الجامعة العربية أو ما بات يعرف بالنظام الإقليمي العربي، تنامت الدعوة للوحدة وظن كثيرون من مريديها ودعاتها أنها قابلة للتحقيق.
في الخمسينيات انتقل دعاة الوحدة من الظن إلى ما يشبه اليقين - خاصة مع نجاح ثورة يوليو المصرية ورفعها لشعار الوحدة، وهو نفس الشعار الذي رفعه حزب البعث الذي تشكل في سوريا عام 1947.
شبه اليقين تحول إلى واقع فعلي مع إعلان دولة الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958، وبفضل نظرية الدومينو والمد القومي الكاسح وشخصية جمال عبدالناصر الكاريزمية وبرنامجه الذي حقق نجاحات لافتة في مصر، اعتقد كثيرون وقتها أن دولة الوحدة من المحيط إلى الخليج ليست سوى مسألة وقت، لكن وبعد ثلاث سنوات وسبعة شهور انهارت دولة الوحدة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي في 28 سبتمبر 1961، والملفت أو المضحك أن حزب البعث القومي كان أحد المشجعين على هذا الانفصال والداعمين له!
في الستينيات تلقى المشروع الوحدوي الضربة القاصمة بهزيمة يونيو 1967، وانتهى العقد ودولتي القلب العربي تسعى لمحاولة استرداد اراضيهما المحتلة، كان الشعار المرفوع "إزالة آثار المعركة" ما يعني تأجيل لكل شيء سواه.
في 28 سبتمبر 1970 رحل جمال عبد الناصر ليتلقى دعاة الوحدة ضربة جديدة ومن الصدف الغريبة أن يوم وفاته صادف نفس يوم الانفصال الأمر الذي اعتبره كثيرون الموتة الأولى لناصر قبل أن تعصف به كارثة يونيو.
في أكتوبر 1973 وبعد النصر العسكري "غير المكتمل" واستخدام العرب لأول مرة سلاحاً موحداً هو النفط، داعب خيال دعاة الوحدة إمكانية العودة للحلم مرة اخرى، لكن لم تمض شهور حتى حدث الخلاف المصري السوري على وقع اتفاقيات فض الاشتباك مع إسرائيل، وعندما زار أنور السادات القدس المحتلة في نوفمبر 1977، وما اعقبتها من اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر 1978 ثم اتفاق التسوية المصري الإسرائيلي في العام الذي تلاه، خرجت مصر عمليا من المعركة، وتكرست الدولة القطرية.
طوال عقد الثمانينيات الذي شهد احتلال إسرائيل لأول عاصمة عربية هي بيروت عام 1982، كان الشعار السائد هو كيفية إعادة مصر للصف العربي، وهو الامر الذي تحقق في نهايات هذه الحقبة، وبدلا من اجترار شعار الوحدة تواضع المنادون بها ليكتفوا بالمطالبة فقط بالتضامن العربي.
في أغسطس 1990 جاءت الضربة القاتلة الثانية للنظام العربي والمشروع الوحدوي بعد ضربة يونيو 1967، عندما اجتاح صدام حسين الرئيس العراقي الكويت ملغيا بقرار فردي دولة عربية من على الخريطة، وعندما قدمت القوات الغربية والعربية بقيادة أمريكية للمنطقة، وطردها للجيش العراقي في فبراير 1991، بدأ فصل جديد في تاريخ المنطقة، أثمر عن مؤتمر مدريد ثم اتفاقيات اوسلو بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1993 ثم اتفاقية وادي عربة مع الأردن. في العام الذي تلاه، وبعدها بدأت مفاوضات إسرائيلية سورية مباشرة للمرة الأولى..
والنتيجة أن شعار الوحدة تراجع تماما مخليا السبيل لشعار شيمون بيريز "الشرق الاوسط الجديد"، وكان لافتا أن بيريز نفسه وأثناء حضوره كوزير لخارجية اسرائيل المؤتمر الاقتصادي الأول الذي عقد في الدار البيضاء عام 1994 اقترح (ولا يعرف أحد ان كان جاداً أو هازلاً) ضم إسرائيل للجامعة العربية، ثم اعقب ذلك وهو يحتسي الشاي العربي في احد مقاهي المدينة المغربية بالقول: "آن الأوان أن تجرب الدول العربية قيادة إسرائيل"، ثم أطلق شعاره "ان الحقبة الإسرائيلية قد بدأت".
ومن يلاحظ الأدبيات السياسية لحقبة التسعينيات بأكملها يلاحظ أن أقصى ما كان يحلم به الوحدويون هو مجرد "التنسيق العربي".
ومع بداية القرن الجديد وبعد إحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة شهد العالم بأكمله انقلابا شاملا، كان الوطن العربي الأكثر تأثرا به بحكم أنه أصبح ميدان الرماية الذي تتمرن فيه الإمبراطورية الأمريكية على تدشين مشروعها الإمبراطوري، وبعد احتلالها لأفغانستان نهاية عام 2001 ثم احتلالها للعراق في ابريل 2003، لم يعد هناك حديث في العواصم العربية سوى كيفية الافلات من طريق الثور الهائج الذي يهدد كل من يقف في طريقه.
في إطار هذا السياق يصبح السؤال الرئيسي الذي يصادف ذكرى الوحدة المصرية السورية في 22 فبراير 1958 هو: كيف تراجعت الوحدة من كونها مشروعا قابلا للتحقيق في الخمسينيات وأوائل الستينيات ليتحول الأمر الآن إلى أن أصبح مستقبل ووجود الدولة القطرية نفسه موضعا للتساؤل، ولم يعد الحديث عن تفتيت الكيانات القطرية مجرد سيناريوهات يتم تداولها في كواليس المخابرات ومراكز الأبحاث المعادية، بل انتقلت للنقاش المفتوح في كافة وسائل الإعلام؟!
إن إلقاء نظرة سريعة وعابرة على خريطة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يشير إلى أن سرطان التجزئة ينتشر بسرعة قياسية داخل الخلية الواحدة ناهيك عن الجسم الأكبر.
العراق جرى احتلاله بالقوة المسلحة وبغض النظر عن الشعارات والأكاذيب التي روجها ورفعها المحتلون الأمريكيون والبريطانيون، فان خريطة العراق يصعب ان تعود إلى شكلها القديم، في الأمد المنظور ليس فقط لرغبة المحتل في إعادة هندسة المنطقة لتلائم المشروع الأمريكي الصهيوني، بل لان ما جرى بعد احتلال بغداد في 9 ابريل الماضي أحيا فكرة انفصال الأكراد الذين يتحدث قادتهم علنا عن حقهم الطبيعي في دولة كردية تشمل شمال العراق وتطمح إلى ضم كركوك بكل نفطها إلى الدولة الوليدة.. ونتيجة لذلك بدأت الأقلية التركمانية تتحدث عن حقوقها أيضا.
من نتائج الاحتلال وتداعياته أيضا ارتفاع نبرة الحديث عن التقسيم المذهبي ما بين أغلبية شيعية في كل جنوب العراق حتى جنوب بغداد، وسنة يتمركزون أساسا في منطقة الوسط والغرب، ناهيك عن الآشوريين والسريان وبقية الطوائف المسيحية، بل سمعنا عن مطالبات يهود العراق للعودة والمطالبة بتعويضات.
والأخطر ما تردد كثيرا عن شراء رجال أعمال يهود بدعم إسرائيلي وغطاء أمريكي لمناطق خصبة كثيرة في شمال العراق وغربه، وما تردد أيضا عن مشروع قيد البحث باستيعاب جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين في العراق عندما يحين اوان التسوية الدائمة وبغض النظر عن إمكانية تقسيم العراق سواء على أسس عرقية أو مذهبية وحتى لو فشل هذا المخطط إذا ما انتبه العراقيون إلى خطورته، فان وقتا طويلا يحتاج إليه العراق ليعود سليما عافيا لأمته العربية.
حصار سوريا
بعد احتلال العراق أصبحت دمشق في مرمى النيران الأمريكية والإسرائيلية لتسديد فاتورة قديمة متجددة بفعل مناوئتها للمشروع الأمريكي الصهيوني، وإضافة للهجوم الإعلامي الكاسح من واشنطن وتل أبيب كان لافتا أن هذا الهجوم بدأ ينتقل من ساحة الإعلام إلى مجالين جديدين الأول اقتصادي عبر ما يسمى بمشروع محاسبة سوريا وتحرير لبنان الذي سنه الكونغرس مؤخرا بأغلبية ساحقة وصدق عليه الرئيس جورج بوش متضمنا حزمة واسعة من العقوبات أعقبه التلويح لدمشق بما يسمى المعارضة السورية في الخارج.
المجال الثاني عسكري وتمثل في قيام الطيران الحربي الصهيوني بمهاجمة قرية عين الصاحب السورية للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 بحجة دعم دمشق لمنظمات المقاومة الفلسطينية.
وبفعل الضغط الأمريكي الإسرائيلي المزدوج على دمشق مترافقا مع الازمة الاقتصادية في الداخل، وتعثر المشروع الإصلاحي الديمقراطي الذي بشر به الرئيس بشار الأسد منذ مجيئه للحكم، أصبح واقع الحال يشير إلى أن الهدف السوري الذي يحتل الأولوية ليس هو دولة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج أو "امة عربية ذات رسالة خالدة" بل هو كيفية تفادي الوقوع في الشراك الأمريكية الإسرائيلية التي تتخذ أشكالا متعددة كل يوم، ولذلك بدأت دمشق في إتباع سياسة تهدئة كان أبرزها الحديث المستمر عن رغبتها في استئناف مفاوضات التسوية مع إسرائيل.
الأردن ولبنان
لم يتغير وضع الأردن كثيرا ربما كانت أصعب لحظاته ما قبل الحرب على العراق حتى إسقاط نظام صدام حسين، ومثلما سار الراحل الملك حسين على حافة الهاوية دائما من اجل الحفاظ على الدولة مقيما علاقات مع كل الأضداد، كذلك يفعل نجله الملك عبد الله للمحافظة على هذا الوضع الذي يحتاج إلى معجزة مستمرة.
أما لبنان فهي ما زالت تتعافى مبدئيا من ذيول الحرب الأهلية التي عصفت بها لمدة 15 عاما منذ عام 1975 وحتى 1990، وتمكنت من دحر الاحتلال الإسرائيلي عبر المقاومة، لكن الحرب الأهلية انتقلت من وسائل الصراع العسكري إلى صراع اجتماعي اقتصادي تمثل أساسا في عدم القدرة على تجاوز الأزمة الاقتصادية العاصفة، والانقسام بشأن طبيعة العلاقة مع سوريا خاصة أن هناك جزءا من المعارضة يحظى بجزء من التأييد في الشارع المسيحي لم يعد يرى غضاضة في الرهان على العودة إلى لبنان عبر الدبابة والاباتشي الأمريكية أو حتى الإسرائيلية، على غرار ما حدث في العراق، هذا الجزء من المعارضة كان له دور بارز في الترويج لإصدار قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنان، عبر إقناع أعضاء الكونغرس بمزاياه.
السعودية والخليج
بعد أن كان مأمولا أن تلعب السعودية مع مصر وسوريا دورا في إعادة بعض العافية للنظام الإقليمي العربي الرسمي عبر ما سمي محور "القاهرة ـ دمشق ـ الرياض" والذي نشط بعض الشيء في منتصف التسعينيات واستطاع تحجيم آثار مشروع بيريز وحزب العمل الخاص بالشرق الأوسط الجديد، فوجئت السعودية التي ظلت حليفا وثيقا للولايات المتحدة بأنها أصبحت بعد 11 سبتمبر مستهدفة مباشرة من المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، وبدأ متنفذون في هذه الادارة يتحدثون عن ضرورة حصار السعودية، بل واحتلال آبار نفطها وتقسيمها، ثم فوجئت السعودية مرة اخرى بأن عليها مواجهة المتشددين الأصوليين داخل أراضيها من جهة ومحاولة احتواء الآثار الناجمة عن احتلال العراق من جهة اخرى، أما فيما يخص دول الخليج فانه بعد درس اجتياح العراق للكويت عام 1991وعجز النظام العربي الرسمي عن مواجهته بمفرده، استقر في ذهن البعض أن الحل المضمون هو توقيع اتفاقيات عسكرية مع البلدان الكبرى لحمايتها من الجيران الذين لا يؤمن جانبهم، وجاء ضرب واحتلال العراق انطلاقا من بعض القواعد العسكرية في المنطقة، لا ليؤكد فقط تكريس الدولة القطرية، بل إن البعض تسابق في إيجاد شكل من التعاون مع إسرائيل نفسها تطبيقا وتصديقا لمقولة "إن أسرع طريق إلى قلب البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون هو البوابة الإسرائيلية".
في هذا الإطار يمكن القول أن اليمن مثل في التسعينيات نموذجا مخالفا للسائد حيث استطاع الشمال إنجاز الوحدة مع الشطر الجنوبي عام 1990، ثم تمكن الشمال أيضا من إفشال انفصال الجنوب عبر استخدام القوة عام 1994، والمفارقة ان بعض العرب ساندو الانفصال وتمنوا حدوثه وقتها ومن حسن الحظ انهم لم ينجحوا. لكن وبعيدا عن النبرة الوحدوية في التصريحات الرسمية، فان اليمن شأن معظم البلدان العربية وجدت نفسها مطالبة بتنفيذ الأجندة الأمريكية في محاربة ما يسمى بالإرهاب. ويظل همها الاقتصادي وتطورها التحدي الأكبر لفترة طويلة.
مصر
كان يقال دائما أن مصر هي القاطرة التي ان كانت عفية تجر شقيقاتها العربيات معها للامام، والعكس صحيح. لكن النتيجة النهائية لمرحلة الـ 25 عاما الماضية تشير إلى أن الهم الرئيسي كان معالجة الأزمة الاقتصادية التي تزيد استفحالا، وبدلا من أن تتحول مصر نموذجا للآخرين في المنطقة، وجدت نفسها غير قادرة على حسم خياراتها، فلا هي مندفعة لتحقيق تضامن عربي حقيقي، ولا هي قادرة على فك الروابط الهشة مع إسرائيل، ناهيك عن عدم قدرتها على مواجهة الغول الأمريكي، والمحصلة أن تأثير دورها تراجع كثيرا لتصبح مجرد دولة في المنطقة وأسباب ذلك كثيرة ويطول شرحها لكن ما لا يمكن إغفاله أن حزبا يطلب التأسيس يريد عودة مصر فرعونية معتبرا أنها ليست عربية!
أما السودان:
أحواله لا تحتاج إلى كثير شرح أيضا، فهو في أزمات مستمرة سواء بفعل الحرب الأهلية مع الجنوب المندلعة منذ عام 1983، أو بفعل انقلاب البشير ـ الترابي عام 1989، وخروج معظم نخبته السياسية للخارج وممارسة المعارضة من المنفى طوال عقد التسعينيات. السودان الآن وبعد التطورات التي رافقت مفاوضات نيفاشا في كينيا تحت رعاية "ايقاد" والغرب بقيادة الولايات المتحدة توصل إلى اتفاق مبدئي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بتقسيم السلطة والثروة، وليس بعيدا أن يجد السودان جزءه الجنوبي وقد تحول إلى دولة مستقلة بعد الفترة الانتقالية، ناهيك عن مشكلة الأقاليم الثلاث المهمشة، والمطالبات التي بدأت تعلو الآن في دارفور بالحصول على حكم ذاتي أو اشترط الفيدرالية للبقاء ضمن السودان الموحد.
وإذا استمرت اللهجة الخاصة بالحكم الذاتي وتقرير المصير فقد لا نستغرب ان يطالب أهل النوبة في مصر والسودان بنفس الأمر.
صوملة وفرانكفونية
الصومال: هذا مثال ادخل إلى العلوم السياسية مصطلح "الصوملة" إشارة إلى التفتت والتشظي، فبعد عام 1990 وسقوط نظام سياد بري انفصلت ما سميت بجمهورية ارض الصومال، ثم تحولت العاصمة مقديشيو نفسها الى ساحة تحكمها الميليشيات، واختفت الدولة تماما، ورغم المحاولات الأخيرة في إيجاد نظام موحد حتى لو كان شكليا، فان الصومال بشكله القديم لم يعد قائما.
جزر القمر
أحدث عضو في الجامعة العربية، والغريب أن هذه الدولة ورغم صغر مساحتها شهدت العديد من محاولات بعض أقاليمها أو جزرها الانفصال محتمية بالجيران تارة وبالغرب تارة اخرى وهو نفس حال جيبوتي المجاورة تقريبا.
ليبيا:
سوف يسجل الباحثون في الشئون السياسية مستقبلا أن ليبيا كانت الاعلى صوتا في المناداة بدولة الوحدة، وبحثت عنها في كل مكان مع سوريا والعراق وتونس والسودان ومع مصر دائما وتشاد أحيانا، ساندت كل حركات التحرر من ثوار نيكاراجوا إلى الجيش الجمهوري الايرلندي ومن جبهة موروخ الفلبين إلى كل الساعين للتحرر في أفريقيا، لكن الغرب الذي عاقبها على سلوكها الماضي باثر رجعي عبر مصيدة لوكيربي، تمكن في النهاية من جعلها تكفر بالوحدة، وهكذا رأينا طرابلس الغرب تسعى إلى الوحدة الإفريقية، وتطلب الانسحاب من الجامعة العربية، والمحصلة النهائية وبعد كشف ليبيا ما قالت انه برنامجها النووي ثم بدء الحديث عن علاقات دافئة مع أمريكا وبريطانيا لم تعد ليبيا التي فكرت واشنطن في إعادة تقسيمها إلى ثلاث ولايات هي ليبيا التقليدية.
اما الجزائر
فقد عانت حربا أهلية طاحنة منذ عام 1990، ولم تتعاف منها تماما حتى الآن رغم تراجع حدتها، ويريد البربر "الامازيغ" فيها حكما ذاتيا او على الأقل اعترافا رسميا بهويتهم الثقافية مقابل العرب، وبدأ الحديث يعلو عن حرب الهويات، ناهيك عن الانقسام الثقافي والسياسي الآخر ما بين دعاة العروبة من جهة ودعاة الفرانكفونية من جهة اخرى.
المغرب
تخوض صراعا منذ منتصف الستينيات مع الجزائر وصل إلى حد الحرب، وفي السبعينيات اتخذ الصراع خلافا سياسيا مازال مستمرا بفعل أزمة الصحراء، كما ان حدود البلدين مازالت مغلقة، والاتحاد المغاربي الذي تشكل عام 1987 من البلدين إضافة إلى ليبيا وتونس وموريتانيا لم يستطع عقد قمته منذ عام 1994 بفعل هذه الخلافات، كما أن المغرب مازال يأمل في استرجاع مدينتي سبتة ومليلة من أسبانيا إضافة بالطبع إلى الصحراء الغربية.
أما موريتانيا
فانه إضافة للأزمة الاقتصادية، والصراع ما بين الحكومة والمعارضة شهدت البلاد في فترات متباعدة تصاعد نبرة الحديث عن العرب والزنج، وبفعل الأزمات مجتمعة لم تجد الحكومة سوى إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني.
وأخيرا تبقى تونس
التي ظلت إلى حد كبير بعيدة عن الأزمات الخانقة التي عصفت بكل جيرانها، لكن عانت في التسعينيات من أزمة صدام الحكومة مع كل المعارضة وخاصة حركة النهضة الإسلامية، لكنها مقارنة بالجيران تمكنت إلى حد كبير من تفادي الأثمان الغالية لهذه المشكلات.
ـــ
تلك باختصار إطلالة سريعة وموجزة للغاية على حال كل دولة عربية "الهدف منها لم يكن إطلاقا إبراز العيوب والمشكلات بقدر محاولة الوصول إلى الواقع الفعلي غير المنمق الذي لا يلتفت للتصريحات اليومية المكررة عن رغبة الجميع في الوحدة والعمل لها.
ومرة اخرى يتكرر نفس السؤال ولكن بصورة اخرى: هل يمكن لبلدان فشلت في اقامة وحدتها الداخلية بين أقاليمها أن تتمكن من إنجاز وحدة إقليمية تضم كل البلدان العربية تحت سقف واحد؟! بل ويمكن صياغة السؤال بصورة مغايرة "اذا كانت هذه الدول القطرية فشلت في إنجاز الوحدة وهي بكامل عافيتها الوطنية طوال العقود الأربعة الماضية فكيف تنجزها الآن وهي في أسوأ حالاتها"؟!
هذه التساؤلات تتطلب مراجعة كاملة وشاملة وممارسة أقصى درجات النقد الذاتي لكل الغيورين على فكرة الوحدة والمطالبين بها والساعين لتحقيقها، على الوحدويين الآن وبعد أن تعرض المشروع القومي لضربات ساحقة أن يراجعوا كل مقولاتهم وأفكارهم ناهيك عن وسائلهم، عليهم أن يسألوا أنفسهم عن التكتيك والاستراتيجية. وعن كل شيء فإذا كانت الوحدة من الثوابت ففيما عداها يعتبر متغيرا.
الوحدة كفكرة وحتى كمشروع حلم الكثيرين من العرب "وليس كلهم بالمناسبة" وإذا أريد لهذه الفكرة أن تتحقق فالمؤكد بعد كل هذه السنوات منذ عام 1945 وحتى هذه اللحظة فان النهر لم تجر فيه مياه كثيرة فقط كما يقال دائما، بل اجتاحته سيول وأعاصير وأنواء وانفتحت عليه بحار ومحيطات، حتى أن الماء لم يعد هو الماء نفسه!
لقد كان بعض الذين سعوا للوحدة بلا شك ذوي عواطف صادقة ونبيلة، وفي السياسة لا تكفي العواطف والمشاعر فقط، البعض الآخر كما أصبح معروفا سعى لهذه الوحدة من منظور انتهازي تهربا من استحقاقات داخلية أو ضغوط خارجية، كما ان فريقا ثالثا اتبع أسلوبا اقرب ما يقال عنه انه "تهريجي" بامتياز، بل سيطرت على ذهنه كلمة الوحدة حتى لو كانت مع الصين أو انجولا!
ومع التقدير الكامل لمعظم المفكرين القوميين الذين دفع بعضهم حياته ثمنا للوحدة، فان الكثير من المقولات والشعارات التي كانت تبدو بديهية قبل سنوات، علينا أن نخضعها الآن للفحص والمناقشة في ضوء الواقع الراهن الذي نعيشه.
من المفيد القول أنه شاع لفترة طويلة مصطلح "المثلث المطاع الذي سينجز دولة الوحدة، ضلعاه في دمشق وبغداد وقاعدته في القاهرة، ترى هل يبدو هذا المصطلح صالحا لهذه الأيام بعد أن طار احد الأضلاع تماما، والآخر مهدد بالاستهداف، والقاعدة تبدو مترجرجة"؟!
ميشيل عفلق مؤسس البعث كان يقول إن الاتجاه الوحدوي وتحقيق دولة الوحدة هو "واقع بديهي يفرض نفسه"، هذا المنهج عارضه المفكر نديم البيطار الذي كان لا يراه واقعا بل احتمالا يحتاج إلى دليل عمل خلاق وفعال من المفكرين، لكن البيطار نفسه لم يوضح لنا هذا الدليل من خلال "منهج التاريخ المقارن" الذي تبناه على طول الخط.
كلمات عفلق رددها بصورة مغايرة العراقي سعدون حمادي الذي كان يرى الوحدة أو القومية بمثابة "إيمان أساسه شعور داخلي فحسب".
في الخمسينيات انتقل دعاة الوحدة من الظن إلى ما يشبه اليقين - خاصة مع نجاح ثورة يوليو المصرية ورفعها لشعار الوحدة، وهو نفس الشعار الذي رفعه حزب البعث الذي تشكل في سوريا عام 1947.
شبه اليقين تحول إلى واقع فعلي مع إعلان دولة الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958، وبفضل نظرية الدومينو والمد القومي الكاسح وشخصية جمال عبدالناصر الكاريزمية وبرنامجه الذي حقق نجاحات لافتة في مصر، اعتقد كثيرون وقتها أن دولة الوحدة من المحيط إلى الخليج ليست سوى مسألة وقت، لكن وبعد ثلاث سنوات وسبعة شهور انهارت دولة الوحدة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي في 28 سبتمبر 1961، والملفت أو المضحك أن حزب البعث القومي كان أحد المشجعين على هذا الانفصال والداعمين له!
في الستينيات تلقى المشروع الوحدوي الضربة القاصمة بهزيمة يونيو 1967، وانتهى العقد ودولتي القلب العربي تسعى لمحاولة استرداد اراضيهما المحتلة، كان الشعار المرفوع "إزالة آثار المعركة" ما يعني تأجيل لكل شيء سواه.
في 28 سبتمبر 1970 رحل جمال عبد الناصر ليتلقى دعاة الوحدة ضربة جديدة ومن الصدف الغريبة أن يوم وفاته صادف نفس يوم الانفصال الأمر الذي اعتبره كثيرون الموتة الأولى لناصر قبل أن تعصف به كارثة يونيو.
في أكتوبر 1973 وبعد النصر العسكري "غير المكتمل" واستخدام العرب لأول مرة سلاحاً موحداً هو النفط، داعب خيال دعاة الوحدة إمكانية العودة للحلم مرة اخرى، لكن لم تمض شهور حتى حدث الخلاف المصري السوري على وقع اتفاقيات فض الاشتباك مع إسرائيل، وعندما زار أنور السادات القدس المحتلة في نوفمبر 1977، وما اعقبتها من اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر 1978 ثم اتفاق التسوية المصري الإسرائيلي في العام الذي تلاه، خرجت مصر عمليا من المعركة، وتكرست الدولة القطرية.
طوال عقد الثمانينيات الذي شهد احتلال إسرائيل لأول عاصمة عربية هي بيروت عام 1982، كان الشعار السائد هو كيفية إعادة مصر للصف العربي، وهو الامر الذي تحقق في نهايات هذه الحقبة، وبدلا من اجترار شعار الوحدة تواضع المنادون بها ليكتفوا بالمطالبة فقط بالتضامن العربي.
في أغسطس 1990 جاءت الضربة القاتلة الثانية للنظام العربي والمشروع الوحدوي بعد ضربة يونيو 1967، عندما اجتاح صدام حسين الرئيس العراقي الكويت ملغيا بقرار فردي دولة عربية من على الخريطة، وعندما قدمت القوات الغربية والعربية بقيادة أمريكية للمنطقة، وطردها للجيش العراقي في فبراير 1991، بدأ فصل جديد في تاريخ المنطقة، أثمر عن مؤتمر مدريد ثم اتفاقيات اوسلو بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 1993 ثم اتفاقية وادي عربة مع الأردن. في العام الذي تلاه، وبعدها بدأت مفاوضات إسرائيلية سورية مباشرة للمرة الأولى..
والنتيجة أن شعار الوحدة تراجع تماما مخليا السبيل لشعار شيمون بيريز "الشرق الاوسط الجديد"، وكان لافتا أن بيريز نفسه وأثناء حضوره كوزير لخارجية اسرائيل المؤتمر الاقتصادي الأول الذي عقد في الدار البيضاء عام 1994 اقترح (ولا يعرف أحد ان كان جاداً أو هازلاً) ضم إسرائيل للجامعة العربية، ثم اعقب ذلك وهو يحتسي الشاي العربي في احد مقاهي المدينة المغربية بالقول: "آن الأوان أن تجرب الدول العربية قيادة إسرائيل"، ثم أطلق شعاره "ان الحقبة الإسرائيلية قد بدأت".
ومن يلاحظ الأدبيات السياسية لحقبة التسعينيات بأكملها يلاحظ أن أقصى ما كان يحلم به الوحدويون هو مجرد "التنسيق العربي".
ومع بداية القرن الجديد وبعد إحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة شهد العالم بأكمله انقلابا شاملا، كان الوطن العربي الأكثر تأثرا به بحكم أنه أصبح ميدان الرماية الذي تتمرن فيه الإمبراطورية الأمريكية على تدشين مشروعها الإمبراطوري، وبعد احتلالها لأفغانستان نهاية عام 2001 ثم احتلالها للعراق في ابريل 2003، لم يعد هناك حديث في العواصم العربية سوى كيفية الافلات من طريق الثور الهائج الذي يهدد كل من يقف في طريقه.
في إطار هذا السياق يصبح السؤال الرئيسي الذي يصادف ذكرى الوحدة المصرية السورية في 22 فبراير 1958 هو: كيف تراجعت الوحدة من كونها مشروعا قابلا للتحقيق في الخمسينيات وأوائل الستينيات ليتحول الأمر الآن إلى أن أصبح مستقبل ووجود الدولة القطرية نفسه موضعا للتساؤل، ولم يعد الحديث عن تفتيت الكيانات القطرية مجرد سيناريوهات يتم تداولها في كواليس المخابرات ومراكز الأبحاث المعادية، بل انتقلت للنقاش المفتوح في كافة وسائل الإعلام؟!
إن إلقاء نظرة سريعة وعابرة على خريطة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يشير إلى أن سرطان التجزئة ينتشر بسرعة قياسية داخل الخلية الواحدة ناهيك عن الجسم الأكبر.
العراق جرى احتلاله بالقوة المسلحة وبغض النظر عن الشعارات والأكاذيب التي روجها ورفعها المحتلون الأمريكيون والبريطانيون، فان خريطة العراق يصعب ان تعود إلى شكلها القديم، في الأمد المنظور ليس فقط لرغبة المحتل في إعادة هندسة المنطقة لتلائم المشروع الأمريكي الصهيوني، بل لان ما جرى بعد احتلال بغداد في 9 ابريل الماضي أحيا فكرة انفصال الأكراد الذين يتحدث قادتهم علنا عن حقهم الطبيعي في دولة كردية تشمل شمال العراق وتطمح إلى ضم كركوك بكل نفطها إلى الدولة الوليدة.. ونتيجة لذلك بدأت الأقلية التركمانية تتحدث عن حقوقها أيضا.
من نتائج الاحتلال وتداعياته أيضا ارتفاع نبرة الحديث عن التقسيم المذهبي ما بين أغلبية شيعية في كل جنوب العراق حتى جنوب بغداد، وسنة يتمركزون أساسا في منطقة الوسط والغرب، ناهيك عن الآشوريين والسريان وبقية الطوائف المسيحية، بل سمعنا عن مطالبات يهود العراق للعودة والمطالبة بتعويضات.
والأخطر ما تردد كثيرا عن شراء رجال أعمال يهود بدعم إسرائيلي وغطاء أمريكي لمناطق خصبة كثيرة في شمال العراق وغربه، وما تردد أيضا عن مشروع قيد البحث باستيعاب جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين في العراق عندما يحين اوان التسوية الدائمة وبغض النظر عن إمكانية تقسيم العراق سواء على أسس عرقية أو مذهبية وحتى لو فشل هذا المخطط إذا ما انتبه العراقيون إلى خطورته، فان وقتا طويلا يحتاج إليه العراق ليعود سليما عافيا لأمته العربية.
حصار سوريا
بعد احتلال العراق أصبحت دمشق في مرمى النيران الأمريكية والإسرائيلية لتسديد فاتورة قديمة متجددة بفعل مناوئتها للمشروع الأمريكي الصهيوني، وإضافة للهجوم الإعلامي الكاسح من واشنطن وتل أبيب كان لافتا أن هذا الهجوم بدأ ينتقل من ساحة الإعلام إلى مجالين جديدين الأول اقتصادي عبر ما يسمى بمشروع محاسبة سوريا وتحرير لبنان الذي سنه الكونغرس مؤخرا بأغلبية ساحقة وصدق عليه الرئيس جورج بوش متضمنا حزمة واسعة من العقوبات أعقبه التلويح لدمشق بما يسمى المعارضة السورية في الخارج.
المجال الثاني عسكري وتمثل في قيام الطيران الحربي الصهيوني بمهاجمة قرية عين الصاحب السورية للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 بحجة دعم دمشق لمنظمات المقاومة الفلسطينية.
وبفعل الضغط الأمريكي الإسرائيلي المزدوج على دمشق مترافقا مع الازمة الاقتصادية في الداخل، وتعثر المشروع الإصلاحي الديمقراطي الذي بشر به الرئيس بشار الأسد منذ مجيئه للحكم، أصبح واقع الحال يشير إلى أن الهدف السوري الذي يحتل الأولوية ليس هو دولة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج أو "امة عربية ذات رسالة خالدة" بل هو كيفية تفادي الوقوع في الشراك الأمريكية الإسرائيلية التي تتخذ أشكالا متعددة كل يوم، ولذلك بدأت دمشق في إتباع سياسة تهدئة كان أبرزها الحديث المستمر عن رغبتها في استئناف مفاوضات التسوية مع إسرائيل.
الأردن ولبنان
لم يتغير وضع الأردن كثيرا ربما كانت أصعب لحظاته ما قبل الحرب على العراق حتى إسقاط نظام صدام حسين، ومثلما سار الراحل الملك حسين على حافة الهاوية دائما من اجل الحفاظ على الدولة مقيما علاقات مع كل الأضداد، كذلك يفعل نجله الملك عبد الله للمحافظة على هذا الوضع الذي يحتاج إلى معجزة مستمرة.
أما لبنان فهي ما زالت تتعافى مبدئيا من ذيول الحرب الأهلية التي عصفت بها لمدة 15 عاما منذ عام 1975 وحتى 1990، وتمكنت من دحر الاحتلال الإسرائيلي عبر المقاومة، لكن الحرب الأهلية انتقلت من وسائل الصراع العسكري إلى صراع اجتماعي اقتصادي تمثل أساسا في عدم القدرة على تجاوز الأزمة الاقتصادية العاصفة، والانقسام بشأن طبيعة العلاقة مع سوريا خاصة أن هناك جزءا من المعارضة يحظى بجزء من التأييد في الشارع المسيحي لم يعد يرى غضاضة في الرهان على العودة إلى لبنان عبر الدبابة والاباتشي الأمريكية أو حتى الإسرائيلية، على غرار ما حدث في العراق، هذا الجزء من المعارضة كان له دور بارز في الترويج لإصدار قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنان، عبر إقناع أعضاء الكونغرس بمزاياه.
السعودية والخليج
بعد أن كان مأمولا أن تلعب السعودية مع مصر وسوريا دورا في إعادة بعض العافية للنظام الإقليمي العربي الرسمي عبر ما سمي محور "القاهرة ـ دمشق ـ الرياض" والذي نشط بعض الشيء في منتصف التسعينيات واستطاع تحجيم آثار مشروع بيريز وحزب العمل الخاص بالشرق الأوسط الجديد، فوجئت السعودية التي ظلت حليفا وثيقا للولايات المتحدة بأنها أصبحت بعد 11 سبتمبر مستهدفة مباشرة من المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، وبدأ متنفذون في هذه الادارة يتحدثون عن ضرورة حصار السعودية، بل واحتلال آبار نفطها وتقسيمها، ثم فوجئت السعودية مرة اخرى بأن عليها مواجهة المتشددين الأصوليين داخل أراضيها من جهة ومحاولة احتواء الآثار الناجمة عن احتلال العراق من جهة اخرى، أما فيما يخص دول الخليج فانه بعد درس اجتياح العراق للكويت عام 1991وعجز النظام العربي الرسمي عن مواجهته بمفرده، استقر في ذهن البعض أن الحل المضمون هو توقيع اتفاقيات عسكرية مع البلدان الكبرى لحمايتها من الجيران الذين لا يؤمن جانبهم، وجاء ضرب واحتلال العراق انطلاقا من بعض القواعد العسكرية في المنطقة، لا ليؤكد فقط تكريس الدولة القطرية، بل إن البعض تسابق في إيجاد شكل من التعاون مع إسرائيل نفسها تطبيقا وتصديقا لمقولة "إن أسرع طريق إلى قلب البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون هو البوابة الإسرائيلية".
في هذا الإطار يمكن القول أن اليمن مثل في التسعينيات نموذجا مخالفا للسائد حيث استطاع الشمال إنجاز الوحدة مع الشطر الجنوبي عام 1990، ثم تمكن الشمال أيضا من إفشال انفصال الجنوب عبر استخدام القوة عام 1994، والمفارقة ان بعض العرب ساندو الانفصال وتمنوا حدوثه وقتها ومن حسن الحظ انهم لم ينجحوا. لكن وبعيدا عن النبرة الوحدوية في التصريحات الرسمية، فان اليمن شأن معظم البلدان العربية وجدت نفسها مطالبة بتنفيذ الأجندة الأمريكية في محاربة ما يسمى بالإرهاب. ويظل همها الاقتصادي وتطورها التحدي الأكبر لفترة طويلة.
مصر
كان يقال دائما أن مصر هي القاطرة التي ان كانت عفية تجر شقيقاتها العربيات معها للامام، والعكس صحيح. لكن النتيجة النهائية لمرحلة الـ 25 عاما الماضية تشير إلى أن الهم الرئيسي كان معالجة الأزمة الاقتصادية التي تزيد استفحالا، وبدلا من أن تتحول مصر نموذجا للآخرين في المنطقة، وجدت نفسها غير قادرة على حسم خياراتها، فلا هي مندفعة لتحقيق تضامن عربي حقيقي، ولا هي قادرة على فك الروابط الهشة مع إسرائيل، ناهيك عن عدم قدرتها على مواجهة الغول الأمريكي، والمحصلة أن تأثير دورها تراجع كثيرا لتصبح مجرد دولة في المنطقة وأسباب ذلك كثيرة ويطول شرحها لكن ما لا يمكن إغفاله أن حزبا يطلب التأسيس يريد عودة مصر فرعونية معتبرا أنها ليست عربية!
أما السودان:
أحواله لا تحتاج إلى كثير شرح أيضا، فهو في أزمات مستمرة سواء بفعل الحرب الأهلية مع الجنوب المندلعة منذ عام 1983، أو بفعل انقلاب البشير ـ الترابي عام 1989، وخروج معظم نخبته السياسية للخارج وممارسة المعارضة من المنفى طوال عقد التسعينيات. السودان الآن وبعد التطورات التي رافقت مفاوضات نيفاشا في كينيا تحت رعاية "ايقاد" والغرب بقيادة الولايات المتحدة توصل إلى اتفاق مبدئي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بتقسيم السلطة والثروة، وليس بعيدا أن يجد السودان جزءه الجنوبي وقد تحول إلى دولة مستقلة بعد الفترة الانتقالية، ناهيك عن مشكلة الأقاليم الثلاث المهمشة، والمطالبات التي بدأت تعلو الآن في دارفور بالحصول على حكم ذاتي أو اشترط الفيدرالية للبقاء ضمن السودان الموحد.
وإذا استمرت اللهجة الخاصة بالحكم الذاتي وتقرير المصير فقد لا نستغرب ان يطالب أهل النوبة في مصر والسودان بنفس الأمر.
صوملة وفرانكفونية
الصومال: هذا مثال ادخل إلى العلوم السياسية مصطلح "الصوملة" إشارة إلى التفتت والتشظي، فبعد عام 1990 وسقوط نظام سياد بري انفصلت ما سميت بجمهورية ارض الصومال، ثم تحولت العاصمة مقديشيو نفسها الى ساحة تحكمها الميليشيات، واختفت الدولة تماما، ورغم المحاولات الأخيرة في إيجاد نظام موحد حتى لو كان شكليا، فان الصومال بشكله القديم لم يعد قائما.
جزر القمر
أحدث عضو في الجامعة العربية، والغريب أن هذه الدولة ورغم صغر مساحتها شهدت العديد من محاولات بعض أقاليمها أو جزرها الانفصال محتمية بالجيران تارة وبالغرب تارة اخرى وهو نفس حال جيبوتي المجاورة تقريبا.
ليبيا:
سوف يسجل الباحثون في الشئون السياسية مستقبلا أن ليبيا كانت الاعلى صوتا في المناداة بدولة الوحدة، وبحثت عنها في كل مكان مع سوريا والعراق وتونس والسودان ومع مصر دائما وتشاد أحيانا، ساندت كل حركات التحرر من ثوار نيكاراجوا إلى الجيش الجمهوري الايرلندي ومن جبهة موروخ الفلبين إلى كل الساعين للتحرر في أفريقيا، لكن الغرب الذي عاقبها على سلوكها الماضي باثر رجعي عبر مصيدة لوكيربي، تمكن في النهاية من جعلها تكفر بالوحدة، وهكذا رأينا طرابلس الغرب تسعى إلى الوحدة الإفريقية، وتطلب الانسحاب من الجامعة العربية، والمحصلة النهائية وبعد كشف ليبيا ما قالت انه برنامجها النووي ثم بدء الحديث عن علاقات دافئة مع أمريكا وبريطانيا لم تعد ليبيا التي فكرت واشنطن في إعادة تقسيمها إلى ثلاث ولايات هي ليبيا التقليدية.
اما الجزائر
فقد عانت حربا أهلية طاحنة منذ عام 1990، ولم تتعاف منها تماما حتى الآن رغم تراجع حدتها، ويريد البربر "الامازيغ" فيها حكما ذاتيا او على الأقل اعترافا رسميا بهويتهم الثقافية مقابل العرب، وبدأ الحديث يعلو عن حرب الهويات، ناهيك عن الانقسام الثقافي والسياسي الآخر ما بين دعاة العروبة من جهة ودعاة الفرانكفونية من جهة اخرى.
المغرب
تخوض صراعا منذ منتصف الستينيات مع الجزائر وصل إلى حد الحرب، وفي السبعينيات اتخذ الصراع خلافا سياسيا مازال مستمرا بفعل أزمة الصحراء، كما ان حدود البلدين مازالت مغلقة، والاتحاد المغاربي الذي تشكل عام 1987 من البلدين إضافة إلى ليبيا وتونس وموريتانيا لم يستطع عقد قمته منذ عام 1994 بفعل هذه الخلافات، كما أن المغرب مازال يأمل في استرجاع مدينتي سبتة ومليلة من أسبانيا إضافة بالطبع إلى الصحراء الغربية.
أما موريتانيا
فانه إضافة للأزمة الاقتصادية، والصراع ما بين الحكومة والمعارضة شهدت البلاد في فترات متباعدة تصاعد نبرة الحديث عن العرب والزنج، وبفعل الأزمات مجتمعة لم تجد الحكومة سوى إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني.
وأخيرا تبقى تونس
التي ظلت إلى حد كبير بعيدة عن الأزمات الخانقة التي عصفت بكل جيرانها، لكن عانت في التسعينيات من أزمة صدام الحكومة مع كل المعارضة وخاصة حركة النهضة الإسلامية، لكنها مقارنة بالجيران تمكنت إلى حد كبير من تفادي الأثمان الغالية لهذه المشكلات.
ـــ
تلك باختصار إطلالة سريعة وموجزة للغاية على حال كل دولة عربية "الهدف منها لم يكن إطلاقا إبراز العيوب والمشكلات بقدر محاولة الوصول إلى الواقع الفعلي غير المنمق الذي لا يلتفت للتصريحات اليومية المكررة عن رغبة الجميع في الوحدة والعمل لها.
ومرة اخرى يتكرر نفس السؤال ولكن بصورة اخرى: هل يمكن لبلدان فشلت في اقامة وحدتها الداخلية بين أقاليمها أن تتمكن من إنجاز وحدة إقليمية تضم كل البلدان العربية تحت سقف واحد؟! بل ويمكن صياغة السؤال بصورة مغايرة "اذا كانت هذه الدول القطرية فشلت في إنجاز الوحدة وهي بكامل عافيتها الوطنية طوال العقود الأربعة الماضية فكيف تنجزها الآن وهي في أسوأ حالاتها"؟!
هذه التساؤلات تتطلب مراجعة كاملة وشاملة وممارسة أقصى درجات النقد الذاتي لكل الغيورين على فكرة الوحدة والمطالبين بها والساعين لتحقيقها، على الوحدويين الآن وبعد أن تعرض المشروع القومي لضربات ساحقة أن يراجعوا كل مقولاتهم وأفكارهم ناهيك عن وسائلهم، عليهم أن يسألوا أنفسهم عن التكتيك والاستراتيجية. وعن كل شيء فإذا كانت الوحدة من الثوابت ففيما عداها يعتبر متغيرا.
الوحدة كفكرة وحتى كمشروع حلم الكثيرين من العرب "وليس كلهم بالمناسبة" وإذا أريد لهذه الفكرة أن تتحقق فالمؤكد بعد كل هذه السنوات منذ عام 1945 وحتى هذه اللحظة فان النهر لم تجر فيه مياه كثيرة فقط كما يقال دائما، بل اجتاحته سيول وأعاصير وأنواء وانفتحت عليه بحار ومحيطات، حتى أن الماء لم يعد هو الماء نفسه!
لقد كان بعض الذين سعوا للوحدة بلا شك ذوي عواطف صادقة ونبيلة، وفي السياسة لا تكفي العواطف والمشاعر فقط، البعض الآخر كما أصبح معروفا سعى لهذه الوحدة من منظور انتهازي تهربا من استحقاقات داخلية أو ضغوط خارجية، كما ان فريقا ثالثا اتبع أسلوبا اقرب ما يقال عنه انه "تهريجي" بامتياز، بل سيطرت على ذهنه كلمة الوحدة حتى لو كانت مع الصين أو انجولا!
ومع التقدير الكامل لمعظم المفكرين القوميين الذين دفع بعضهم حياته ثمنا للوحدة، فان الكثير من المقولات والشعارات التي كانت تبدو بديهية قبل سنوات، علينا أن نخضعها الآن للفحص والمناقشة في ضوء الواقع الراهن الذي نعيشه.
من المفيد القول أنه شاع لفترة طويلة مصطلح "المثلث المطاع الذي سينجز دولة الوحدة، ضلعاه في دمشق وبغداد وقاعدته في القاهرة، ترى هل يبدو هذا المصطلح صالحا لهذه الأيام بعد أن طار احد الأضلاع تماما، والآخر مهدد بالاستهداف، والقاعدة تبدو مترجرجة"؟!
ميشيل عفلق مؤسس البعث كان يقول إن الاتجاه الوحدوي وتحقيق دولة الوحدة هو "واقع بديهي يفرض نفسه"، هذا المنهج عارضه المفكر نديم البيطار الذي كان لا يراه واقعا بل احتمالا يحتاج إلى دليل عمل خلاق وفعال من المفكرين، لكن البيطار نفسه لم يوضح لنا هذا الدليل من خلال "منهج التاريخ المقارن" الذي تبناه على طول الخط.
كلمات عفلق رددها بصورة مغايرة العراقي سعدون حمادي الذي كان يرى الوحدة أو القومية بمثابة "إيمان أساسه شعور داخلي فحسب".
رد: الدولة القُطرِية
الجمعة سبتمبر 04, 2009 10:16 pm
وبجانب مصطلح المثلث شاع أيضا "الإقليم القاعدة" الذي سيقوم بإنجاز دولة الوحدة، وواقع الحال انه بغض النظر عن الشعار فان فترة الستينيات شهدت صراعا حادا بين البعث والناصريين، ومن هو الأحق بحمل لواء الوحدة، وبدلا من وجود تكامل بين القوميين ظلت المنافسة والتوجس بل والعداء أحيانا هي السمة التي ميزت العلاقات بين غالبية الأحزاب القومية العربية، وهو ما ينطبق ايضا على مصطلح "قلب العروبة النابض" وهل هو دمشق أم القاهرة، والواقع يقول انه لم يعد هناك قلب أو ربما حتى عقل.
في المقابل فان باحثا مثل احمد البرقاوي رأى أن فكرة الأمة الواحدة هي للمفكرين الطوباويين، وان مجمل الاختلافات القائمة تجعل الحديث عن دولة الوحدة غير ممكنة، لان المنطقة خلافا لمقولات كثيرين ليست جسما واحدا تاريخيا
واقتصاديا وتقنيا وإنما هي وحدات ثقافية جغرافية مختلفة.
أيضا وللموضوعية لا يمكن أن نلقي بالفشل الدائم لمشروع الوحدة على كاهل الاستعمار والخارج فقط، صحيح أن هذا "الخارج" حارب كل مشروع وحدوي وكان ذلك جليا في تآمره على الوحدة المصرية السورية، لكن الأصح أن غالبية المشروعات الوحدوية فشلت من الداخل حتى قبل أن يتمنى الخارج سقوطها.
وإذا كان المفكر القومي ساطع الحصري يرى أن الاستعمار ترك حدودا قطرية قبل رحيله تحولت لاحقا إلى حدود وطنية بسبب التعليم والإعلام، إذا كان ذلك صحيحا فكيف فشلت البلدان العربية في إزالة هذه الحدود رغم رحيل الاستعمار بشكله القديم منذ حوالي 50 عاما أو يزيد؟ هذه الفكرة يلخصها الباحث عصام المحايري حينما اقترح أن يتحول عنوان كتاب الحصري الشهير "العروبة بين دعاتها وخصومها" الصادر عام 1951 إلى "العروبة بين دعاتها وصناعها»، فكما يقول أيضا انطون سعادة "نحن لانطبق الوحدة بل نعمل لها، لان نتائج الفعل غير نتائج القول"، نفس المنطق أيضا طرحه، المفكر معن زيادة حينما قال إن مشكلات الوحدة واستمرار التجزئة لا يفيد في حلها أن نلقيها بأكملها على الامبريالية والصهيونية والرجعية، كما أن مواجهتها لا تكون باللجوء إلى الحلول المتسرعة.
النقد الذاتي المطلوب لا يجب أن يطال المفكرين والباحثين القوميين ومقولاتهم فقط، لأنه ربما كان هؤلاء أكثر نبلا وأخذتهم الفكرة بعيدا، أو ربما جاءت مقولاتهم انطلاقا من ظروف عصرهم وواقعهم، النقد الحقيقي يجب أن يوجه للسياسيين، خاصة الانتهازيين منهم الذين تاجروا بالوحدة، ومازال بعضهم يفعل حتى هذه اللحظة. يشاركهم في هذه الانتهازية جزء كبير من النخبة العربية التي ترفع لواء الوحدة والقومية.
قلنا سابقا أن غالبية البلدان العربية منقسمة بشأن الوحدة، ووجود بعضها معرض للضياع، في الوقت الراهن بفعل أسباب كثيرة لكن كيف يستقيم أن معظم الاحزاب القومية نفسها أكثر انقساما في داخلها من النظم العربية نفسها؟!
إلقاء نظرة عابرة وسريعة أيضا على سطح هذه الأحزاب فقط وليس عمقها سيشير بلا ريب كيف أن هذه الأحزاب القومية التي تضع فوق جدران مقراتها خريطة الوطن العربي دون فواصل جغرافية كانت اخطر كثيرا على فكرة القومية والوحدة من أعدائها التقليديين!
الغريب أن هذه الأحزاب التي تدعو ليل نهار إلى الوحدة وتهاجم الأنظمة الكسولة أو المتواطئة هي التي تشهد انقسامات حادة بين قياداتها، رغم أن هذه القيادات يفترض أن تضرب مثلا في التوحد.. وهكذا رأينا حزبا قوميا في دولة عربية قليلة السكان يشهد انشقاقا، كم استمر الانشقاق حتى أصبح تشظيا، وانتهى الأمر بأحد القيادات ليكون حزبا جديدا كان هو وابنه وزوجته هم الأعضاء فقط، وقيل إن الابن فكر ذات مرة في القيام "بثورة تصحيحية ضد والده ووالدته!!
والنتيجة انه يندر وجود حزب قومي لم يشهد انقساما، والأسوأ أن الانقسام لم يكن في كثير من الأمور صراعا أو خلافا حول برنامج ما، بل دار في الأغلب الأعم حول كيفية الوصول إلى السلطة القائمة.
بالطبع هذه الحال المثيرة للشفقة ليس كل القوميين، لكن المشكلة الحقيقية ان غالبية المهمومين والمدافعين بجد عن هذه القضية وجدوا أنفسهم معزولين وفي أحيان اخرى محبطين من سلوك قياداتهم التي عطلت أي آلية للانتخابات او الحراك الديمقراطي داخل هذه الأحزاب وانتهى الأمر بهم إلى إيثار السلامة والابتعاد، بعد أن رأوا قادتهم يطالبون الحكام بعدم احتلال السلطة للأبد، في حين انهم يدافعون عن هذا الكرسي حتى النفس الأخير.
وإذا كان النقد الذاتي مطلوبا من الحكومات التي تسعى للوحدة وكذلك المفكرين والأحزاب القومية فان أمرا مشابها ينبغي أن يطال الشعوب نفسها.. شاع كثيرا أمر يردده الجميع كأنه بديهية وهي أن كل الشعوب تطلب الوحدة والحكومات هي التي تعرقل الأمر، واقع الحال يشير إلى أن ذلك ليس أمرا صحيحا على طول الخط، لأنه ببساطة فان مناهج التعليم ووسائل الإعلام القطرية جعلت القطريات تتعمق إما دول سايكس بيكو فقد تكرست، وكما أشار ساطع الحصري بحق ذات مرة فان الحال وصل باقتناع بعض الشعوب العربية للإيمان بالموت دفاعا عن حدود بلدانها القطرية، إذا تهددت من قبل عدو شقيق جار!!
مظاهر الشعوبية والفئوية والعشائرية والمناطقية يمكن ملاحظتها في العديد من المجالات ليس اقلها ميدان كرة القدم، يمكن للجميع أن يتأمل على الهواء مباشرة الشعارات والهتافات عندما يلتقي فريقان عربيان شقيقان في منافسة يفترض أن تكون شريفة وأخوية، لكن المفارقة التي تحولت إلى شبه ظاهرة أن الأمور دائما ما تبدأ بهتافات معادية وتنتهي باشتباكات ودماء في "المستطيل الأخضر" أليس هذا الأمر يحتاج إلى بحث ودراسة من علماء الاجتماع السياسي خاصة القوميين منهم؟!
ليس ذلك طعنا في الشعوب، فالشعوب غالبا على حق، المشكلة هنا هي التساؤل عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة وكيفية معالجتها، ومناهج التعليم ووسائل الإعلام التي زادت من استفحال وتجذر الدولة القطرية.
واقع الحال يشير إلى أن هناك اختلالات كثيرة ليس في الوطن الكبير بل داخل الوطن الواحد.. وبالتالي فان أي مطالبة بالوحدة العربية ينبغي أن تبحث أولا في تشخيص هذا المرض، وبعده تفكر في العلاج؟ بدون ذلك فان المؤمنين بالوحدة قد يفاجأون بموت الحالة نفسها وهم مستمرون في الجدل الفكري!
صحيح أن كل التجارب الوحدوية لم تكن عبثا، كما أن كل الأقطار التي دعت اليها لم تكن جميعها انتهازية أو حتى مراهقة لكن الأصح أيضا أن الحديث عن الوحدة العربية انطلاقا من المشاعر العاطفية فقط أو تكرار مقولات وحدة الدين واللغة والثقافة لم يعد للأسف الشديد كافيا ناهيك عن انه ليس كاملا أيضا.
مؤيدو الوحدة كانوا عندما يشيرون إلى "حتميتها" يشيرون دائما إلى الوحدة الأوروبية التي لا تملك كل المقومات المشتركة التي تملكها الأمة العربية ورغم ذلك قطعت شوطا طويلا نحو التوحد، لكن النظر إلى النموذج الأوروبي الذي يستشهد به الجميع تقريبا يدين ولا يدلل على حتمية الوحدة العربية. فإذا كان الأوروبيون الفرقاء في كثير من المقومات مثل اللغة والثقافة إضافة بالطبع إلى الحروب الدامية بينهم، قد نجحوا في إقامة نموذجهم شبه الموحد الآن،
فمعنى ذلك أن العرب الذين يملكون مقومات متشابهة أكثر منهم، أما انهم واهمون أو أكثر تخلفا وعجزا عن إنجاز مشروعهم وأما ثالثا انهم اهتموا فقط بترديد الشعار عاطفيا وكفى.
وربما كان الاحتمالان الأخيران اقرب للصحة فالوحدة الأوروبية التي طرأت كفكرة في منتصف الأربعينيات بدأت عام 1951 بمشروع بسيط بإنشاء "الاتحاد الأوروبي للفحم والصلب" عبر معاهدة باريس في ذلك العام، ثم وصلت إلى معاهدة ماسترخت بهولندا عام 1990 التي رسمت خطة إنشاء العملة الموحدة اليورو عبر فترة زمنية متدرجة تنتهي عام 1999.
وهو ما تحقق بالفعل، وأصبحت أوروبا تتمتع ببرلمان وعملة موحدة وحدود مفتوحة، لكن رغم كل ذلك فان مشروعها الوحدوي بشقيه السياسي والعسكري مازال يحتاج الى كثير من العمل وتكتنفه العديد من الصعوبات الجمة التي اتضحت كثيرا على خلفية الانقسام بشأن غزو واحتلال العراق، خاصة فيما يتعلق بالمحور الفرنسي الألماني البلجيكي الداعي لاستقلالية نسبية عن الولايات المتحدة وهو ما تعارضه بريطانيا بشدة ومعها أسبانيا وايطاليا وغالبية بلدان أوروبا الشرقية حديثة الانضمام للاتحاد، فالبلدان الأخيرة تعتقد حتى هذه اللحظة ان الناتو المظلة الأمريكية العسكرية والسياسية والاقتصادية هي العاصم الوحيد من أنواء العالم المتقلب وليس عبر تشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة كما تدعو باريس وبرلين.
في مقابل التواضع الأوروبي بما تم إنجازه وهو كثير، رأينا في المقابل العربي آلاف المؤتمرات والندوات والأفكار واللجان، لكنها جميعها لم تساو الحبر الذي كتبت به، لدينا على الورق الكثير من منظمات العمل العربي المشترك من مجلس الوحدة الاقتصادي إلى مجلس الدفاع المشترك، ومن البيئة إلى التعليم ومن الفن إلى الرياضة، لكن واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا لشك أن العمل العربي المشترك الوحيد الذي تم إنجازه بضمير كان التنسيق بين وزارات الداخلية العرب فيما يتعلق بمطاردة معارضي الأنظمة الرسمية.! في حين أن كل المشروعات الاقتصادية التي كان يمكنها أن تجمع العرب انهارت بفعل خلافات القادة وأمزجتهم في بعض الأحيان.
خلاصة الواقع العربي الراهن يشير بجلاء إلى أن الوحدة العربية مستحيلة الآن كما كانت في الماضي وحتى شعار آخر.. الأنظمة القطرية فشلت بامتياز ولم تستطع حتى المحافظة على حدودها الوطنية التي ورثتها عن الاستعمار، كما فشلت في المحافظة على النسيج الداخلي لشعوبها، وأصبحت معظم بلدانها مهددة بالتفتت.
هذه الأنظمة بشكلها الراهن إذا استطاعت الحفاظ على بقائها الوجودي بمعني الكلمة تكون قد حققت انتصارا باهرا!.
انطلاقا من هذه القراءة يمكن إيجاز الأمر في مجموعة من النقاط هي:
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
في المقابل فان باحثا مثل احمد البرقاوي رأى أن فكرة الأمة الواحدة هي للمفكرين الطوباويين، وان مجمل الاختلافات القائمة تجعل الحديث عن دولة الوحدة غير ممكنة، لان المنطقة خلافا لمقولات كثيرين ليست جسما واحدا تاريخيا
واقتصاديا وتقنيا وإنما هي وحدات ثقافية جغرافية مختلفة.
أيضا وللموضوعية لا يمكن أن نلقي بالفشل الدائم لمشروع الوحدة على كاهل الاستعمار والخارج فقط، صحيح أن هذا "الخارج" حارب كل مشروع وحدوي وكان ذلك جليا في تآمره على الوحدة المصرية السورية، لكن الأصح أن غالبية المشروعات الوحدوية فشلت من الداخل حتى قبل أن يتمنى الخارج سقوطها.
وإذا كان المفكر القومي ساطع الحصري يرى أن الاستعمار ترك حدودا قطرية قبل رحيله تحولت لاحقا إلى حدود وطنية بسبب التعليم والإعلام، إذا كان ذلك صحيحا فكيف فشلت البلدان العربية في إزالة هذه الحدود رغم رحيل الاستعمار بشكله القديم منذ حوالي 50 عاما أو يزيد؟ هذه الفكرة يلخصها الباحث عصام المحايري حينما اقترح أن يتحول عنوان كتاب الحصري الشهير "العروبة بين دعاتها وخصومها" الصادر عام 1951 إلى "العروبة بين دعاتها وصناعها»، فكما يقول أيضا انطون سعادة "نحن لانطبق الوحدة بل نعمل لها، لان نتائج الفعل غير نتائج القول"، نفس المنطق أيضا طرحه، المفكر معن زيادة حينما قال إن مشكلات الوحدة واستمرار التجزئة لا يفيد في حلها أن نلقيها بأكملها على الامبريالية والصهيونية والرجعية، كما أن مواجهتها لا تكون باللجوء إلى الحلول المتسرعة.
النقد الذاتي المطلوب لا يجب أن يطال المفكرين والباحثين القوميين ومقولاتهم فقط، لأنه ربما كان هؤلاء أكثر نبلا وأخذتهم الفكرة بعيدا، أو ربما جاءت مقولاتهم انطلاقا من ظروف عصرهم وواقعهم، النقد الحقيقي يجب أن يوجه للسياسيين، خاصة الانتهازيين منهم الذين تاجروا بالوحدة، ومازال بعضهم يفعل حتى هذه اللحظة. يشاركهم في هذه الانتهازية جزء كبير من النخبة العربية التي ترفع لواء الوحدة والقومية.
قلنا سابقا أن غالبية البلدان العربية منقسمة بشأن الوحدة، ووجود بعضها معرض للضياع، في الوقت الراهن بفعل أسباب كثيرة لكن كيف يستقيم أن معظم الاحزاب القومية نفسها أكثر انقساما في داخلها من النظم العربية نفسها؟!
إلقاء نظرة عابرة وسريعة أيضا على سطح هذه الأحزاب فقط وليس عمقها سيشير بلا ريب كيف أن هذه الأحزاب القومية التي تضع فوق جدران مقراتها خريطة الوطن العربي دون فواصل جغرافية كانت اخطر كثيرا على فكرة القومية والوحدة من أعدائها التقليديين!
الغريب أن هذه الأحزاب التي تدعو ليل نهار إلى الوحدة وتهاجم الأنظمة الكسولة أو المتواطئة هي التي تشهد انقسامات حادة بين قياداتها، رغم أن هذه القيادات يفترض أن تضرب مثلا في التوحد.. وهكذا رأينا حزبا قوميا في دولة عربية قليلة السكان يشهد انشقاقا، كم استمر الانشقاق حتى أصبح تشظيا، وانتهى الأمر بأحد القيادات ليكون حزبا جديدا كان هو وابنه وزوجته هم الأعضاء فقط، وقيل إن الابن فكر ذات مرة في القيام "بثورة تصحيحية ضد والده ووالدته!!
والنتيجة انه يندر وجود حزب قومي لم يشهد انقساما، والأسوأ أن الانقسام لم يكن في كثير من الأمور صراعا أو خلافا حول برنامج ما، بل دار في الأغلب الأعم حول كيفية الوصول إلى السلطة القائمة.
بالطبع هذه الحال المثيرة للشفقة ليس كل القوميين، لكن المشكلة الحقيقية ان غالبية المهمومين والمدافعين بجد عن هذه القضية وجدوا أنفسهم معزولين وفي أحيان اخرى محبطين من سلوك قياداتهم التي عطلت أي آلية للانتخابات او الحراك الديمقراطي داخل هذه الأحزاب وانتهى الأمر بهم إلى إيثار السلامة والابتعاد، بعد أن رأوا قادتهم يطالبون الحكام بعدم احتلال السلطة للأبد، في حين انهم يدافعون عن هذا الكرسي حتى النفس الأخير.
وإذا كان النقد الذاتي مطلوبا من الحكومات التي تسعى للوحدة وكذلك المفكرين والأحزاب القومية فان أمرا مشابها ينبغي أن يطال الشعوب نفسها.. شاع كثيرا أمر يردده الجميع كأنه بديهية وهي أن كل الشعوب تطلب الوحدة والحكومات هي التي تعرقل الأمر، واقع الحال يشير إلى أن ذلك ليس أمرا صحيحا على طول الخط، لأنه ببساطة فان مناهج التعليم ووسائل الإعلام القطرية جعلت القطريات تتعمق إما دول سايكس بيكو فقد تكرست، وكما أشار ساطع الحصري بحق ذات مرة فان الحال وصل باقتناع بعض الشعوب العربية للإيمان بالموت دفاعا عن حدود بلدانها القطرية، إذا تهددت من قبل عدو شقيق جار!!
مظاهر الشعوبية والفئوية والعشائرية والمناطقية يمكن ملاحظتها في العديد من المجالات ليس اقلها ميدان كرة القدم، يمكن للجميع أن يتأمل على الهواء مباشرة الشعارات والهتافات عندما يلتقي فريقان عربيان شقيقان في منافسة يفترض أن تكون شريفة وأخوية، لكن المفارقة التي تحولت إلى شبه ظاهرة أن الأمور دائما ما تبدأ بهتافات معادية وتنتهي باشتباكات ودماء في "المستطيل الأخضر" أليس هذا الأمر يحتاج إلى بحث ودراسة من علماء الاجتماع السياسي خاصة القوميين منهم؟!
ليس ذلك طعنا في الشعوب، فالشعوب غالبا على حق، المشكلة هنا هي التساؤل عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة وكيفية معالجتها، ومناهج التعليم ووسائل الإعلام التي زادت من استفحال وتجذر الدولة القطرية.
واقع الحال يشير إلى أن هناك اختلالات كثيرة ليس في الوطن الكبير بل داخل الوطن الواحد.. وبالتالي فان أي مطالبة بالوحدة العربية ينبغي أن تبحث أولا في تشخيص هذا المرض، وبعده تفكر في العلاج؟ بدون ذلك فان المؤمنين بالوحدة قد يفاجأون بموت الحالة نفسها وهم مستمرون في الجدل الفكري!
صحيح أن كل التجارب الوحدوية لم تكن عبثا، كما أن كل الأقطار التي دعت اليها لم تكن جميعها انتهازية أو حتى مراهقة لكن الأصح أيضا أن الحديث عن الوحدة العربية انطلاقا من المشاعر العاطفية فقط أو تكرار مقولات وحدة الدين واللغة والثقافة لم يعد للأسف الشديد كافيا ناهيك عن انه ليس كاملا أيضا.
مؤيدو الوحدة كانوا عندما يشيرون إلى "حتميتها" يشيرون دائما إلى الوحدة الأوروبية التي لا تملك كل المقومات المشتركة التي تملكها الأمة العربية ورغم ذلك قطعت شوطا طويلا نحو التوحد، لكن النظر إلى النموذج الأوروبي الذي يستشهد به الجميع تقريبا يدين ولا يدلل على حتمية الوحدة العربية. فإذا كان الأوروبيون الفرقاء في كثير من المقومات مثل اللغة والثقافة إضافة بالطبع إلى الحروب الدامية بينهم، قد نجحوا في إقامة نموذجهم شبه الموحد الآن،
فمعنى ذلك أن العرب الذين يملكون مقومات متشابهة أكثر منهم، أما انهم واهمون أو أكثر تخلفا وعجزا عن إنجاز مشروعهم وأما ثالثا انهم اهتموا فقط بترديد الشعار عاطفيا وكفى.
وربما كان الاحتمالان الأخيران اقرب للصحة فالوحدة الأوروبية التي طرأت كفكرة في منتصف الأربعينيات بدأت عام 1951 بمشروع بسيط بإنشاء "الاتحاد الأوروبي للفحم والصلب" عبر معاهدة باريس في ذلك العام، ثم وصلت إلى معاهدة ماسترخت بهولندا عام 1990 التي رسمت خطة إنشاء العملة الموحدة اليورو عبر فترة زمنية متدرجة تنتهي عام 1999.
وهو ما تحقق بالفعل، وأصبحت أوروبا تتمتع ببرلمان وعملة موحدة وحدود مفتوحة، لكن رغم كل ذلك فان مشروعها الوحدوي بشقيه السياسي والعسكري مازال يحتاج الى كثير من العمل وتكتنفه العديد من الصعوبات الجمة التي اتضحت كثيرا على خلفية الانقسام بشأن غزو واحتلال العراق، خاصة فيما يتعلق بالمحور الفرنسي الألماني البلجيكي الداعي لاستقلالية نسبية عن الولايات المتحدة وهو ما تعارضه بريطانيا بشدة ومعها أسبانيا وايطاليا وغالبية بلدان أوروبا الشرقية حديثة الانضمام للاتحاد، فالبلدان الأخيرة تعتقد حتى هذه اللحظة ان الناتو المظلة الأمريكية العسكرية والسياسية والاقتصادية هي العاصم الوحيد من أنواء العالم المتقلب وليس عبر تشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة كما تدعو باريس وبرلين.
في مقابل التواضع الأوروبي بما تم إنجازه وهو كثير، رأينا في المقابل العربي آلاف المؤتمرات والندوات والأفكار واللجان، لكنها جميعها لم تساو الحبر الذي كتبت به، لدينا على الورق الكثير من منظمات العمل العربي المشترك من مجلس الوحدة الاقتصادي إلى مجلس الدفاع المشترك، ومن البيئة إلى التعليم ومن الفن إلى الرياضة، لكن واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا لشك أن العمل العربي المشترك الوحيد الذي تم إنجازه بضمير كان التنسيق بين وزارات الداخلية العرب فيما يتعلق بمطاردة معارضي الأنظمة الرسمية.! في حين أن كل المشروعات الاقتصادية التي كان يمكنها أن تجمع العرب انهارت بفعل خلافات القادة وأمزجتهم في بعض الأحيان.
خلاصة الواقع العربي الراهن يشير بجلاء إلى أن الوحدة العربية مستحيلة الآن كما كانت في الماضي وحتى شعار آخر.. الأنظمة القطرية فشلت بامتياز ولم تستطع حتى المحافظة على حدودها الوطنية التي ورثتها عن الاستعمار، كما فشلت في المحافظة على النسيج الداخلي لشعوبها، وأصبحت معظم بلدانها مهددة بالتفتت.
هذه الأنظمة بشكلها الراهن إذا استطاعت الحفاظ على بقائها الوجودي بمعني الكلمة تكون قد حققت انتصارا باهرا!.
انطلاقا من هذه القراءة يمكن إيجاز الأمر في مجموعة من النقاط هي:
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
ـ لا يمكن تحقيق وحدة عربية في أي وقت بدون تحقيق ديمقراطية حقيقية تراعي رغبات وتطلعات وآمال المواطنين، هذه الديمقراطية ينبغي بالطبع أن تراعي العدالة الاجتماعية، وتلتزم بسيادة القانون ومحاربة الفساد وتؤمن بالشفافية ودولة المؤسسات.
ـ وعطفا على وجود مبدأ الديمقراطية فلا يمكن إنجاز الوحدة بدون المحافظة والتقيد بحقوق الإنسان، باعتبار أن تقدم هذا الإنسان لكي يحقق "رسالته" هو الهدف الأول للوحدة، ومضافا إلى حقوق الإنسان، فلا مفر من إشاعة الحريات وفي مقدمتها حرية وسائل الإعلام، وإعطاء دور بارز للمرأة لتصبح شريكا وليست سجينا في قفص الذهنية الراهنة.
ـ إذا كانت الأدبيات العربية تحارب العنصرية والصهيونية وكافة الحركات الشوفينية، فعليها أن تعلن احترامها الكامل للأقليات العرقية في الوطن العربي، ولم يعد مقبولا بأي حال من الأحوال في العصر الراهن إدانة دول الجوار التي تقمع أقلياتها في حين يتم غض الطرف عن حقوق الأقليات على امتداد الوطن من السودانيين في الجنوب إلى الأكراد في الشمال ومن الامازيج في الغرب والنوبة في الوسط إلى التركمان في الشرق مرورا بالطبع باحترام المسيحيين في كافة أرجاء الوطن باعتبارهم جزءا أصيلا من نسيج الوطن ساهم كثير من مفكريهم في إرساء فكرة القومية وعمل كثير منهم بإخلاص في سبيل الوحدة.
ـ لا يمكن لدعوة أو فكرة أو مشروع كالوحدة العربية أن يستقيم وهو يضم أقليات لا تؤمن بالعيش داخل إطاره، نجاح واستمرار مشروع مثل ذلك متوقف على الانضمام الطوعي وليس الإلحاق القسري، عندما يرى الأكراد أن مكاسبهم اكبر في ظل عراق حر تعددي سيفضلونه على الدولة الانفصالية، وكذلك الحال لجنوب السودان، أو امازيج المغرب أو أي أقلية اخرى، المطلوب ما يقول المفكر العربي الكبير الراحل احمد صدقي الدجاني هو "وحدة التنوع".
ـ الوحدة أيضا لن ينجزها انقلاب مسلح أو حزب قائد كما كان يقال دائما.. الشرط الجوهري حتى لو حدث ذلك هو أن تكون نابعة من غالبية المواطنين، وهذا الأمر لن يتحقق إلا عبر نضال ديمقراطي طويل عبر الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات والمنظمات، أي أن الوحدة باختصار لن ينجزها إلا الشعب نفسه عندما يشعر أنها تصب في صالحه الشخصي والعام.
</BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE>ـ وعطفا على وجود مبدأ الديمقراطية فلا يمكن إنجاز الوحدة بدون المحافظة والتقيد بحقوق الإنسان، باعتبار أن تقدم هذا الإنسان لكي يحقق "رسالته" هو الهدف الأول للوحدة، ومضافا إلى حقوق الإنسان، فلا مفر من إشاعة الحريات وفي مقدمتها حرية وسائل الإعلام، وإعطاء دور بارز للمرأة لتصبح شريكا وليست سجينا في قفص الذهنية الراهنة.
ـ إذا كانت الأدبيات العربية تحارب العنصرية والصهيونية وكافة الحركات الشوفينية، فعليها أن تعلن احترامها الكامل للأقليات العرقية في الوطن العربي، ولم يعد مقبولا بأي حال من الأحوال في العصر الراهن إدانة دول الجوار التي تقمع أقلياتها في حين يتم غض الطرف عن حقوق الأقليات على امتداد الوطن من السودانيين في الجنوب إلى الأكراد في الشمال ومن الامازيج في الغرب والنوبة في الوسط إلى التركمان في الشرق مرورا بالطبع باحترام المسيحيين في كافة أرجاء الوطن باعتبارهم جزءا أصيلا من نسيج الوطن ساهم كثير من مفكريهم في إرساء فكرة القومية وعمل كثير منهم بإخلاص في سبيل الوحدة.
ـ لا يمكن لدعوة أو فكرة أو مشروع كالوحدة العربية أن يستقيم وهو يضم أقليات لا تؤمن بالعيش داخل إطاره، نجاح واستمرار مشروع مثل ذلك متوقف على الانضمام الطوعي وليس الإلحاق القسري، عندما يرى الأكراد أن مكاسبهم اكبر في ظل عراق حر تعددي سيفضلونه على الدولة الانفصالية، وكذلك الحال لجنوب السودان، أو امازيج المغرب أو أي أقلية اخرى، المطلوب ما يقول المفكر العربي الكبير الراحل احمد صدقي الدجاني هو "وحدة التنوع".
ـ الوحدة أيضا لن ينجزها انقلاب مسلح أو حزب قائد كما كان يقال دائما.. الشرط الجوهري حتى لو حدث ذلك هو أن تكون نابعة من غالبية المواطنين، وهذا الأمر لن يتحقق إلا عبر نضال ديمقراطي طويل عبر الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات والمنظمات، أي أن الوحدة باختصار لن ينجزها إلا الشعب نفسه عندما يشعر أنها تصب في صالحه الشخصي والعام.
تلك هي تقريبا ابرز شروط الوحدة،وهي كما يبدو شروط تبدو شبه مستحيلة في الواقع الراهن.. لكن في كل الأحوال لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها مهما وصلت بلاغة البعض، وعلى القوميين الحقيقيين السعي للبدء في تحقيقها وإلا ظلوا أسرى الشعارات والكلمات الطوباوية، وربما ما هو أقسى، وما حدث في العراق مؤخرا ابلغ دليل.
ـ لا يكفي أن يقول حزب انه قومي كي يصل إلى السلطة ثم يبدأ ليس فقط في قتل وسحل الرفاق وبقية الأعضاء بل يتحول الحزب إلى مجرد حلقة ضيقة لا تضم حتى الرفاق القدامى بل أفراد الأسرة فقط!!
نماذج مضيئة
وقبل الختام ورغم الصورة المتشائمة والتي لا تهدف في أي حال لتثبيط الهمم بقدر كشف الواقع، تجدر الإشارة إلى أن كل تجاربنا السابقة لم تكن حرثا في البحر ومثال ذلك النموذج الراهن الذي صنعته الإمارات باتحادها في 2 ديسمبر 1971، وهو النموذج الذي ما زال قابلا للتعميم، وكذلك الوحدة اليمنية في مايو 1990 وتكريسها في 1994، وقبل ذلك التجربة السعودية في أوائل الثلاثينيات.. والقاسم المشترك الأعظم بين كل التجارب الناجحة أنها اعتمدت لغة الواقع، وقبل كل شيء مصلحة المواطنين ورغم كل الصعوبات لعبت الإرادة الحديدية الدور الحاسم في إنجاز الأمر.
عندما يكون الشعب العربي هو صاحب الأمر في تقرير حياته ومستقبله، ويتمتع بحرية وديمقراطية حقيقية وليست على الطراز الأمريكي الذي يراد للمنطقة استيراده، وعندما يتحرر الفكر العربي من جموده، وعندما تصبح هناك سيادة للقانون على الجميع وتحترم حقوق الإنسان، وقتها يحق لنا كعرب أن نأمل في وحدة قريبة.. ما دون ذلك هو الوهم والسراب بعينه، قد نفاجأ بزعيم قرر في المساء الوحدة مع دولة شقيقة جارة، ثم يلغي ذلك في الصباح معلنا الحرب عليها، هو مثال ليس من قبيل المبالغة بل رأيناه بصورة أو بأخرى في السنوات الماضية!
النموذج الأوروبي المغري بالمقارنة دائما يقدم لنا المقابل على حالنا المزري. الخلافات بين فرنسا وبريطانيا لا تعد ولا تحصى، شيراك يهاجم بلير بعنف، وشرويدر يهاجم قادة ايطاليا، لكن ذلك لا يؤثر على عملة اليورو أو تصبح مبررا للانسحاب من الاتحاد.
الأمر أولا وأخيرا في يد عموم المواطنين العرب وليس في يد أي جهة أخرى.
صحيح أن الواقع قاتم وسيئ للغاية، لكن تجارب التاريخ تشير في النهاية انه لا يصح إلا الصحيح.
ومن يدري فإذا كانت الوحدة العربية مطلبا شعبيا وضرورة أو حتمية تاريخية فقد تتحقق المعجزة يوما ما.
ـ لا يكفي أن يقول حزب انه قومي كي يصل إلى السلطة ثم يبدأ ليس فقط في قتل وسحل الرفاق وبقية الأعضاء بل يتحول الحزب إلى مجرد حلقة ضيقة لا تضم حتى الرفاق القدامى بل أفراد الأسرة فقط!!
نماذج مضيئة
وقبل الختام ورغم الصورة المتشائمة والتي لا تهدف في أي حال لتثبيط الهمم بقدر كشف الواقع، تجدر الإشارة إلى أن كل تجاربنا السابقة لم تكن حرثا في البحر ومثال ذلك النموذج الراهن الذي صنعته الإمارات باتحادها في 2 ديسمبر 1971، وهو النموذج الذي ما زال قابلا للتعميم، وكذلك الوحدة اليمنية في مايو 1990 وتكريسها في 1994، وقبل ذلك التجربة السعودية في أوائل الثلاثينيات.. والقاسم المشترك الأعظم بين كل التجارب الناجحة أنها اعتمدت لغة الواقع، وقبل كل شيء مصلحة المواطنين ورغم كل الصعوبات لعبت الإرادة الحديدية الدور الحاسم في إنجاز الأمر.
عندما يكون الشعب العربي هو صاحب الأمر في تقرير حياته ومستقبله، ويتمتع بحرية وديمقراطية حقيقية وليست على الطراز الأمريكي الذي يراد للمنطقة استيراده، وعندما يتحرر الفكر العربي من جموده، وعندما تصبح هناك سيادة للقانون على الجميع وتحترم حقوق الإنسان، وقتها يحق لنا كعرب أن نأمل في وحدة قريبة.. ما دون ذلك هو الوهم والسراب بعينه، قد نفاجأ بزعيم قرر في المساء الوحدة مع دولة شقيقة جارة، ثم يلغي ذلك في الصباح معلنا الحرب عليها، هو مثال ليس من قبيل المبالغة بل رأيناه بصورة أو بأخرى في السنوات الماضية!
النموذج الأوروبي المغري بالمقارنة دائما يقدم لنا المقابل على حالنا المزري. الخلافات بين فرنسا وبريطانيا لا تعد ولا تحصى، شيراك يهاجم بلير بعنف، وشرويدر يهاجم قادة ايطاليا، لكن ذلك لا يؤثر على عملة اليورو أو تصبح مبررا للانسحاب من الاتحاد.
الأمر أولا وأخيرا في يد عموم المواطنين العرب وليس في يد أي جهة أخرى.
صحيح أن الواقع قاتم وسيئ للغاية، لكن تجارب التاريخ تشير في النهاية انه لا يصح إلا الصحيح.
ومن يدري فإذا كانت الوحدة العربية مطلبا شعبيا وضرورة أو حتمية تاريخية فقد تتحقق المعجزة يوما ما.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى