خمس دول عربية مؤهلة نوويا
الأحد أغسطس 23, 2009 9:39 am
أعلنت ما لا يقل عن 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من فبراير 2006 إلى يناير 2007 عزمها تطوير قدراتها النووية، وذلك نظرا لتزايد احتياجاتها من الطاقة والمياه العذبة، فضلا عن ارتفاع أسعار النفط والغاز، ومن ثم فثمـة مخاوف من اهتمام بعض الدول الشرق أوسطية بالخيار النووي، وما عزز هذه المخاوف اكتشاف مفاعل الكبار في سوريا، واتخاذ دمشق تدابير استثنائية لإخفاء برنامجها النووي.
ويسعى التحليل التالي إلـى التنبؤ بدول المنطقة التي من المرجح أن تصبح قوى نووية بعد إيران.
تقييم خطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط
أولا - المحور التقني:
1- طريقة تخصيب اليورانيوم:
ليس هناك قدرات معروفة لتخصيب اليورانيوم في العالم العربي أو حتى تركيا، على الرغم من احتمال أن يكون لدى شبكة عبد القدير خان عملاء آخرون غير إيران وليبيا، فبعض الدول في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين تخلت طواعيةً وبمحض إرادتها عن تخصيب اليورانيوم. وإذا كان من المؤكد أن العديد من الدول الرئيسية في المنطقة مثل مصر وسوريا والجزائر لن تقبل التنازل عن تخصيب اليورانيوم، فمع ذلك ونظرا لمحدودية الموارد، ناهيك عن التكلفة السياسية المتوقعة، فإنه ثمة شكوكا بأن تشرع أي من هذه الدول في تخصيب على نطاق واسع، فأخطر ما يمكن توقعه على المديين القصير ومتوسط الأجل هو تخصيب اليورانيوم بشكل محدود وخفي. ومن المشكوك فيه أيضـا أن تقوم إيران بنقل تكنولوجياتها النووية إلـى أي من دول المنطقة، وقد تكون سوريا هي الاستثناء الوحيد في هذا الصدد.
2- طريقة إنتاج البلوتنيوم:
أ - مفاعلات البحوث:
ثمة خيار واحد لأي دولة طامحة لأن تكون قوة نووية وهو استخدام مفاعلات البحوث، فالمفاعلات المهدئة بالماء والجرافيت يمكن تغذيتها عن طريق اليورانيوم الطبيعي، ومن ثم استخدامها لإنتاج البلوتنيوم 239، كما أن مفاعلات البحوث التي تستخدم اليورانيوم المخصب كوقود يمكن استخدامها أيضا لإنتاج البلوتنيوم، ولكن هذه المفاعلات عادة ما تكون أقل كفاءة لهذا الغرض، حيث تتطلب تقنيات مثل تغطية قلب المفاعل باليورانيوم الطبيعي. وخارج إيران وإسرائيل يوجد ثلاث دول في المنطقة تمتلك مفاعلات مناسبة الحجم وذات نيوترونات عالية الفيض إلى حد يجعلها فعالة لإنتاج البلوتنيوم، ومع ذلك فأي من هذه الدول ليس لديه مفاعلات تنتج كميات كافية من البلوتنيوم في مدة لا تتجاوز العام. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه ليس بالإمكان إنتاج 8 كيلوات من البلوتنيوم في مفاعل أبحاث يقل عن 25 ميجاوات، ولا يعد أي من مفاعلات الدول الشرق أوسطية فوق هذا الحد.
ب - مفاعلات الطاقة:
إن استخدام مفاعلات الطاقة في إنتاج البلوتنيوم الصالح للأغراض العسكرية لن يكون متاحا أمام دول المنطقة قبل عام 2015 و2020، كما أن تكوين نظائر الوقود المشع في مثل هذه المفاعلات لن يكون ملائما لصنع القنابل، فهذا الوقود يتضمن محتوى قليلا من بلوتنيوم 239 (من 55 إلى 60%). وعلاوة على ذلك فإن شدة حرارة وإشعاع هذا الوقود تجعل من الصعب التعامل معه. وجدير بالذكر أن العديد من برامج الأسلحة النووية بدأت دون أي مفاعلات طاقة كما هو الحال في كوريا الشمالية والعراق وليبيا وإسرائيل.
3- الجوانب الاقتصادية:
من المحتمل أن تتم عملية تطوير البرامج النووية السلمية في الشرق الأوسط بشكل بطيء. ووفقا لدراسة أعدتها شركة أريفا الفرنسية عام 2008، فإنه هناك ما لا يقل عن 30 مفاعلا في منطقة الشرق الأوسـط وإفريقيا، ولكن بعد تخفيض الموردين الدوليين من قدراتهم النووية في تسعينيات القرن الماضي بعد حادث انفجار مفاعل تشرنوبل، فإنه سيكون من الصعب على هؤلاء الموردين الوفاء بالطلب المتنامي لهذه المفاعلات، وستكون الأولوية للبلدان التي تتمتع ببنية نووية جيدة ولديها في نفس الوقت القدرة والرغبة على تطوير برامجها النووية مثل الإمارات العربية المتحدة.
وبالرغم من ذلك، فإن تطوير برنامج نووي عسكري صغير يظل فرصة متاحة لمعظم دول الشرق الأوسـط، ولم لا؟ فدولة نووية مثل كوريا الشمالية أفقر من غالبية دول المنطقة، ومن ثم فدول مثل مصر وسوريا على سبيل المثال -رغم كونهما لا يعدان من الدول الغنية- لديهما القدرات على تطوير برامج نووية.
4- الوضع الحالي لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
يعاني نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من نقص خطير في المنطقة، فغالبية الدول بالمنطقة -من بينها مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية وسوريا- لم توقع على البروتوكول الإضافي، وعلاوة على ذلك فإن معظم دول الشرق الأوسـط التي تستفيد من بروتوكول الكميات النووية الصغيرة لم تقبل الصيغة المعدلة للبروتوكول عام 2005، والتي بمقتضاها لا يعد البروتوكول قابلا للتطبيق بمجرد التخطيط لمنشأة نووية، وهكذا فإن مثل هذه العيوب أصبحت أكثر خطورة بعد أن كشف التصوير الفوتوغرافي لمواقع الكبار في سوريا عن لجوء بعض الدول إلـى تدابير التمويه والخداع من أجل إخفاء نشاطاتها النووية.
ومن خلال هذا التحليل السابق يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات الجيدة والأخرى السيئة:
أ) فبالنسبة للاستنتاجات الجيدة، يمكن القول إن المشروعات النووية الوطنية التي أعلنت عنها الدول الشرق أوسطية ستستغرق وقتا طويلا إلى أن تؤتي ثمارها، وسيكون لها فائدة محدودة للأغراض العسكرية، كما أنه لأسباب سياسية واقتصادية، فمن غير المرجح أن يستطيع أي بلد في المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة بناء مفاعلات من شأنها أن تسمح بتخصيب اليورانيوم.
ب) أما على صعيد الاستنتاجات السيئة، فثمة أسباب حقيقية تدعو للقلق منهـا:
- قد تستطيع بعض البلدان امتلاك أو تطوير مشروعات صغيرة لإنتاج البلوتنيوم أو إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة عالية. وفي ظل التكلفة المالية التي يمكن تحملها من جانب معظم دول المنطقة فضلا عن عدم توقيعها على البروتوكول الإضافي، فإن هذا الخيار سيكون متاحا لدول مثل الجزائر ومصر والسعودية وسوريا.
- من بين المنشآت المعروفة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن بعض المفاعلات مثل "السـلام" في الجزائر و"أنشاص" في مصر، يمكن استخدامها لإنتـاج البلوتنيوم الصالح للأغراض العسكرية، ولكن هذا الخيار يتطلب إنهاء رقابة الوكالة الدولية أو الاستفادة من تفكك معاهدة حظر الانتشار النووي.
- البرامج النووية المدنية سوف تسهم في تنمية الخبرات العلمية والتقنية، كما أنها قد تكون مفيدة في إخفاء الأنشطة العسكرية.
- التعاون الإقليمي بين العديد من دول المنطقة مثل سوريا ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، سيكون من شأنه تقليل الوقت اللازم لهذه الدول لتطوير قدراتها النووية.
ثانيـا - المحور الإستراتيجـي:
1- الـبـعـد الأمنـي:
في الوقت الذي أصبح فيه البرنامج النووي الإيراني معروفا لدى عامة الناس خلال الفترة من 2002 وحتى 2003، انتشر حينها فكرة مفادها أن هذا البرنامج سيكون عامل استقرار في المنطقة إلـى حد كبير، ولكن مشاعر القلق بشأن البرنامج بدأت في النمو عام 2005 مع تطرف وتشدد السياسة الإيرانية. ومع تزايد عمليات التمرد في العراق فضلا عن الحرب في لبنان، تصاعدت المخاوف من تنامي نفوذ الشيعة إقليميا، والذي يمكن دعمهم من قبل طهران.
ويعد اقتراح دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج بمثابة إشارة واضحة على أن البرنامج النووي الإيراني بالنسبة للخليجيين أخطر من البرنامج الإسرائيلي.
ورغم سعي واشنطن إلـى تعزيز علاقاتها الإستراتيجيـة مع دول مجلس التعاون من خلال زيادة مبيعاتها من المعدات العسكرية لهذه البلدان، فإن ذلك لن يخفف من قلق الدول الخليجية؛ حيث إنه بعد المغامرة الأمريكية في العراق، أصبح لدى دول الخليج قناعة بأن واشنطن لن تقبل الدخول في أي عملية عسكرية أخرى بالمنطقة.
2- المحـور السيـاسـي:
نجحت إيران في جعل برنامجها النووي رمزا للسيادة والهيبة، وقد شجع ذلك دولا أخرى على المضي قُدما في نفس الطريق، وعلاوة على ذلك يرى بعض المحللين أن الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ عام 2001 أسفرت عن انتقادات شديدة لا مثيل لها للقادة العرب من قبل وسائل الإعلام والمثقفين العرب الذين حثوا حكامهم على مناقشة خطط حيازة الأسلحة النووية علنا لاكتساب مظاهر القوة. ومن ثم تعد القيمة الرمزية للبرنامج النووي قوية بشكل خاص في الشرق الأوسط. وفي ظل الظروف الحالية من المشكوك فيه أن تعلن الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط علنا عن أنشطتها النووية العسكرية، لأن ذلك يعني الانسحاب من معاهدة خطر الانتشار النووي، كما أن التكاليف السياسية والتكاليف المرتبطة بها من حيث العقوبات ستكون مرتفعة جدا، ومن ثم فإن الخيار الواقعي الوحيد هو إجراء أنشطة سرية. وقد أكد القصف الإسرائيلي للمفاعل السوري في سبتمبر 2007 أن استخدام القوة العسكرية يمكن أن يكون خيارا ناجعا -في بعض الأحيان- لمعالجة مشكلة الانتشار النووي الناجمة عن برنامج سري، فهذا القصف كان بمثابة جرس إنذار لأي دولة في المنطقة قد يكون لها طموحات نووية مستقبلية.
الدول المثيرة للقلق في المنطقة
فيما يلي الدول المحتمل أن تسير قـدما في الطريق النووي:
(1) الجـزائـر:
تعد الجزائر مصدر قلق في المنطقة لعدة أسباب تتعلق بتأييدها الصريح لإيران، ووجود برنامجها النووي الذي أثار العديد من الشكوك في الماضي، ناهيك عن عدم توقيعها البرتوكول الإضافي. وقد قامت الجزائر بتطوير بنيتها النووية والتي تشمل مفاعلين نوويين ومنشأة صغيرة لإنتاج الوقود، كما أنها تمتلك خبرات تقنية وعلمية على أعلى مستوى في مركز العلوم والتكنولوجيا النووية. ويثير مفاعل "السـلام" الجزائري عدة مخاوف تتعلق بالانتشار النووي، وذلك بسبب أولا: بناؤه بشكل سري عام 1980 بواسطة الصين في منطقة صحراوية، وثانيا: سماته التي تجعله مؤهلا للأنشطة العسكرية، حيث إنه مفاعل ذو نيوترون عالي الفيض ومُخفف بالماء الثقيل.
وبطبيعة الحال فإن الجزائر ليس لديها أي مبرر للبدء في الأنشطة النووية العسكرية، فعلى الرغم من توتر علاقاتها مع بعض الدول المجاورة مثل المغرب وليبيـا، بيد أنها لا تواجه أي خطر أو تهديد عسكري حالي. ومع ذلك فإن الجزائر ربما لا تريد أن تترك مصر أو السعودية لتصبح أي منها الدولة النووية العربية الأولى، فضلا عن أن البرنامج النووي يمكن أن يساهم في تعزيز سيطرة القوات المسلحة على صنع القرار السياسي في البلاد كما هو الحال في باكستان.
(2) مـصـر:
أعلنت القاهرة عن نيتها استئناف برنامجها النووي المدني، وبالنظر إلـى التزايد المتنامي في استهلاك الكهرباء وقلة موارد مصر النفطية، فضلا عن موقعها الإستراتيجي، فإن كل هذه العوامل ترجح بأن تكون مصر دولة رائدة في توليد الكهرباء النووية مستقبلا، على الرغم من الصعوبات المالية التي قد تواجهها. وتضفي الخبرة النووية التي تتمتع بها مصر منذ فترة طويلة مزيدا من المصداقية على هذه الطموحات، فمصر تمتلك اثنين من مفاعلات البحوث يشملان على مفاعل متعدد الأغراض وذي نيوترون عالي الفيض ويوجد في مركز البحوث بأنشاص، وهذا المفاعل ينتج حوالي 6.6 كيلوات من البلوتنيوم سنويا. كما تمتلك مصر منذ عام 1998 منشأتين لصناعة الوقود، ولديها كذلك احتياطات كبيرة من اليورانيوم. وعلى الرغم ما يبدو من تخلي القاهرة عن مشروعاتها العسكرية، فإن الرئيس مبارك أعلن أن هذا الخيار ما زال قائما.
ولدى القاهرة دوافع رئيسية لتطوير برنامجها النووي العسكري، أولها: أنها ترى نفسها زعيمة للعالم العربي ومع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة ونشاط الدبلوماسية السعودية، فإن القاهرة تسعى لتعزيز وضعها الإقليمي.
وثاني الدوافع يتعلق بأنه على المدى الطويل قد تمثل إيران خطرا محتملا في ظل دعمها للحركات المسلحة في لبنان والضفة الغربية وغزة على وجه الخصوص. أما ثالث الدوافع وآخرها فهي أن البرنامج النووي قد يكون له فوائد سياسية داخلية، حيث تفضل جماعة الإخوان المسلمين هذا الخيار من أجل تحقيق التوازن مع إسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أن القاهرة ترفض التوقيع على البروتوكول الإضافي بسبب عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم فمن المتصور أن تلجأ مصر إلـى ممارسة أنشطتها النووية العسكرية اعتمادا على حقيقة مفادها أن إسرائيل لن تجرؤ على توجيه ضربة عسكرية لهذه الأنشطة، لأن مصر -وعلى عكس سوريا- مرتبطة مع تل أبيب بمعاهدة سلام، كما أنها واحدة من الدول الشرق أوسطية القليلة التي تعترف بالكيان الإسرائيلي.
ومع ذلك فإنه في ظل الظروف الراهنة ستمتنع القاهرة عن اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر قد تعرض ركيزتيها الأمنية (السلام مع إسرائيل، والمساعدات الأمريكية) للخطر، في الوقت الذي ستكون الفوائد السياسية الناجمة عن هذه الخطوة محدودة، لأن البرنامج النووي سيكون سريا.
(3) لـيـبيـا:
على الرغم من تحول البرنامج النووي الليبي إلـى برنامج سلمي، فإن طرابلس مازالت تحتفظ بخبرات وبنية تحتية كبيرة ستفيدها إذا أرادت إطلاق برنامج عسكري جديد. ويعمل المفاعل الليبي في تاجورا منذ عام 1981، وهو مفاعل ذو نيوترون عالي الفيض ولكن إنتاجه للبولتنيوم مازال محدودا، حيث إن قوته (10 ميجاوات). ولا توجد أي مؤشرات حاليا على عزم ليبيا البدء في برنامج نووي عسكري جديد.
(4) المملكـة العربيـة السعـوديـة:
تعد التجربة السعودية في المجال النووي محدودة للغاية، حيث يتم إجراء البحوث النووية لتحلية المياه من خلال معهد بحوث الطاقة الذرية الذي أنشئ عام 1988 وقسم الهندسة النووية التابع لجامعة الملك عبد العزيز، وقد انضمت السعودية إلـى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1988 بعد جدل كبير أثير حول حصولها على صواريخ "سي إس إس 2" الصينية. وقد كشفت مصادر وثيقة عن أن السلطات السعودية لديها ثلاث خيارات هي: الحصول على الأسلحة النووية، التحالف مع قوة نووية، والترويج لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وعلى حد ذكر "شاس فريمان" - السفير الأمريكي لدى الرياض عام 2003 - فقد طلب الملك فهد ضمانات نووية من الولايات المتحدة في حال امتلاك إيران أسلحة نووية، ولكن نقص الثقة بين واشنطن والرياض ربما يدفع الأخيرة إلـى البحث عن شركاء آخرين. وتخشى السعودية من وجود أي ترتيبات بين الولايات المتحدة وإيران من شأنها أن تؤدي إلـى تزايد الدور الإيراني بالمنطقة، وستسعى الرياض أيضـا إلـى الردع النووي لمواجهـة أي هجوم محتمل قد تشنه أمريكا على أراضيها في حال وقوع هجمات مشابهة لأحداث 11 سبتمبر.
وقد ثارت العديد من الشائعات عن وجود تفاهم سعودي - باكستاني حول القضايا النووية، ومما عزز هذه الشكوك طلب السعودية عام 2005 من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إبرام بروتوكول الكميات الصغيرة. أما علي المدى الطويل فقد يكون التعاون مع الصين أحد الخيارات المتاحة أمام السعودية، ولكن بالنسبة للوضع الراهن فإن الرياض تريد إظهار حسن النية وأعلنت نيتها التخلي عن اقتناء التكنولوجيا النووية الحساسة.
(5) سـوريـا:
تمتلك دمشق اثنين من مراكز البحوث اللذين يمارس فيهما الأنشطة النووية، وهما: (معهد البحوث العلمية، ومركز دير الحجار للبحوث النووية). ولم تعلن سوريا عن أي طموحات نووية عسكرية على الرغم من أنها لم تخف سعيها إلـى تحقيق التوازن مع إسرائيل من خلال امتلاك أسلحة غير تقليدية.
وقد كان اكتشاف مشروع مفاعل الكبار بمثابة تأكيد أن أي دولة لديها طموح نووي دون التوقيع على البروتوكول الإضافي قد يصعب اكتشافها لسنوات طويلة، كما أن هذا المفاعل قد كشف عن أن كوريا الشمالية مستعدة للدخول في تعاون نووي على نطاق واسع مع دول أخرى. وإذا كان المبرر السوري وراء سعيها لامتلاك الأسلحة النووية هو حماية أراضيها من أي هجمات أمريكية أو إسرائيلية، فإن ذلك يعني أن دمشق ليس لديها ثقة في إمكانية قيام طهران بالدفاع عنها رغم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
ويسعى بشار الأسد إلـى توطيد سلطته من وراء مثل هذه البرامج النووية التي يبدو أنها لم تبدأ إلا بعد صعوده إلـى سدة الحكم.
(6) تـركـيـا:
مثل معظم الدول العربية أعلنت تركيا عزمها استئناف برنامجها النووي المدني، فهي بالفعل لديها بنية تحتية نووية على مستوى عال، ويشمل مركزها البحثي الرئيسي -مركز شكمجي للتدريب والبحوث النووية- منشأتين لتصنيع وتحويل الوقود. كما تمتلك تركيا مفاعلين للبحوث أحدهما يعمل بالماء الخفيف، والآخر تريجا 2، كما أنه لديها منشأة صغيرة لمعالجة النفايات المشعة. وبشكل عام هناك اهتمام ونشاط ملحوظ في أنقرة بالتكنولوجيا والعلوم النووية، كما تعد تركيا من الدول القليلة في المنطقة التي بدأت في وضع الآليات التنظيمية التي تتطلبها البرامج النووية واسعة النطاق، وذلك برعاية هيئة الطاقة الذرية التركية.
وتشعر أنقرة بالقلق من البرنامج النووي الإيراني، كما أنها فقدت الثقة في منظمة حلف شمال الأطلسي، حيث إنه في حادثتين بين عامي 1991 و2003 تردد حلفاء تركيا في الوفاء بالتزاماتهم الأمنية نحوها، علاوة على ذلك فإن العلاقات التركية مع الغرب ليست على ما يرام بسبب حرب العراق والجدل حول أحداث 1915، ناهيك عن الرفض الأوروبي لدخول أنقرة الاتحاد الأوربي.
في ظل هذه الأوضاع فإن النظرة التركية للضمانات الأمنية الغربية ستكون محددا رئيسيا للخيارات النووية المستقبلية لأنقرة، وإذا تبنت تركيا الخيار العسكري فهذا سيكون من شأنه تعميق أزمة عدم الثقة مع الولايات المتحدة وأوروبـا.
محاولة أخرى لتحديد مخاطر الانتشار النووي
أجرت مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية عام 2008 دراسة سعت خلالها إلـى تحديد الدول الشرق أوسطية المتجهة نحو التسليح النووي، واعتمدت الدراسة في هذا الشأن على صنفين من المحددات: إيجابية وسلبية، حيث تشمل المحددات الإيجابية: إدراك الخطر، ومحفزات سياسية محلية ودولية، والقدرات المالية، ووجود خبرة ودراية نووية، والمشروعات النووية المدنية الحالية، وأخيرا وجود برنامج صواريخ باليستيـة نشـط.
أما المحددات السلبية فتتضمن: وجود حماية أجنبية، ودرجة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتكامل الإقليمي، والاعتماد على المساعدات الأمريكية.
وقد توصلت هذه الدراسة إلـى النتائج الآتية حول القدرات النووية لدول المنطقة:
+2 العراق +13 مصر
0 الإمارات +12 سوريا
-3 المغرب +11 الجزائر
-5 تونس +11 السعودية
-8 الكويت +4 تركيا
-9 الأردن +4 ليبيا
ومن خلال هذه النتائج يمكن استخلاص ثلاث دلالات رئيسية، أولها أن الجزائر تقع في نفس الفئة التي تضم مصر وسوريا والسعودية وهي الدول التي تسير في طريقها نحو امتلاك السلاح النووي. وثانيهما أن هذه الدراسة تعد مؤشرا جيدا على التنبؤ بالبرنامج النووي السوري (على الرغم من أنها لم تأخذ في الاعتبار مفاجأة مفاعل الكبار)، أما ثالث الدلالات فهي الرتبة المنخفضة لحد ما لتركيا على عكس الكثير من التوقعات.
*
خبير في "مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية" بباريس، متخصص في مجال انتشار ومنع انتشار الأسلحة النووية في العالم.
*دراسة نشرت في دورية "رؤى إستراتيجية" الإلكترونية، والصادرة مركز الصراعات المعاصرة، تحت عنوان "الحالة النووية المستقبلية للشرق الأوسط"
ويسعى التحليل التالي إلـى التنبؤ بدول المنطقة التي من المرجح أن تصبح قوى نووية بعد إيران.
تقييم خطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط
أولا - المحور التقني:
1- طريقة تخصيب اليورانيوم:
ليس هناك قدرات معروفة لتخصيب اليورانيوم في العالم العربي أو حتى تركيا، على الرغم من احتمال أن يكون لدى شبكة عبد القدير خان عملاء آخرون غير إيران وليبيا، فبعض الدول في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين تخلت طواعيةً وبمحض إرادتها عن تخصيب اليورانيوم. وإذا كان من المؤكد أن العديد من الدول الرئيسية في المنطقة مثل مصر وسوريا والجزائر لن تقبل التنازل عن تخصيب اليورانيوم، فمع ذلك ونظرا لمحدودية الموارد، ناهيك عن التكلفة السياسية المتوقعة، فإنه ثمة شكوكا بأن تشرع أي من هذه الدول في تخصيب على نطاق واسع، فأخطر ما يمكن توقعه على المديين القصير ومتوسط الأجل هو تخصيب اليورانيوم بشكل محدود وخفي. ومن المشكوك فيه أيضـا أن تقوم إيران بنقل تكنولوجياتها النووية إلـى أي من دول المنطقة، وقد تكون سوريا هي الاستثناء الوحيد في هذا الصدد.
2- طريقة إنتاج البلوتنيوم:
أ - مفاعلات البحوث:
ثمة خيار واحد لأي دولة طامحة لأن تكون قوة نووية وهو استخدام مفاعلات البحوث، فالمفاعلات المهدئة بالماء والجرافيت يمكن تغذيتها عن طريق اليورانيوم الطبيعي، ومن ثم استخدامها لإنتاج البلوتنيوم 239، كما أن مفاعلات البحوث التي تستخدم اليورانيوم المخصب كوقود يمكن استخدامها أيضا لإنتاج البلوتنيوم، ولكن هذه المفاعلات عادة ما تكون أقل كفاءة لهذا الغرض، حيث تتطلب تقنيات مثل تغطية قلب المفاعل باليورانيوم الطبيعي. وخارج إيران وإسرائيل يوجد ثلاث دول في المنطقة تمتلك مفاعلات مناسبة الحجم وذات نيوترونات عالية الفيض إلى حد يجعلها فعالة لإنتاج البلوتنيوم، ومع ذلك فأي من هذه الدول ليس لديه مفاعلات تنتج كميات كافية من البلوتنيوم في مدة لا تتجاوز العام. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه ليس بالإمكان إنتاج 8 كيلوات من البلوتنيوم في مفاعل أبحاث يقل عن 25 ميجاوات، ولا يعد أي من مفاعلات الدول الشرق أوسطية فوق هذا الحد.
ب - مفاعلات الطاقة:
إن استخدام مفاعلات الطاقة في إنتاج البلوتنيوم الصالح للأغراض العسكرية لن يكون متاحا أمام دول المنطقة قبل عام 2015 و2020، كما أن تكوين نظائر الوقود المشع في مثل هذه المفاعلات لن يكون ملائما لصنع القنابل، فهذا الوقود يتضمن محتوى قليلا من بلوتنيوم 239 (من 55 إلى 60%). وعلاوة على ذلك فإن شدة حرارة وإشعاع هذا الوقود تجعل من الصعب التعامل معه. وجدير بالذكر أن العديد من برامج الأسلحة النووية بدأت دون أي مفاعلات طاقة كما هو الحال في كوريا الشمالية والعراق وليبيا وإسرائيل.
3- الجوانب الاقتصادية:
من المحتمل أن تتم عملية تطوير البرامج النووية السلمية في الشرق الأوسط بشكل بطيء. ووفقا لدراسة أعدتها شركة أريفا الفرنسية عام 2008، فإنه هناك ما لا يقل عن 30 مفاعلا في منطقة الشرق الأوسـط وإفريقيا، ولكن بعد تخفيض الموردين الدوليين من قدراتهم النووية في تسعينيات القرن الماضي بعد حادث انفجار مفاعل تشرنوبل، فإنه سيكون من الصعب على هؤلاء الموردين الوفاء بالطلب المتنامي لهذه المفاعلات، وستكون الأولوية للبلدان التي تتمتع ببنية نووية جيدة ولديها في نفس الوقت القدرة والرغبة على تطوير برامجها النووية مثل الإمارات العربية المتحدة.
وبالرغم من ذلك، فإن تطوير برنامج نووي عسكري صغير يظل فرصة متاحة لمعظم دول الشرق الأوسـط، ولم لا؟ فدولة نووية مثل كوريا الشمالية أفقر من غالبية دول المنطقة، ومن ثم فدول مثل مصر وسوريا على سبيل المثال -رغم كونهما لا يعدان من الدول الغنية- لديهما القدرات على تطوير برامج نووية.
4- الوضع الحالي لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
يعاني نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من نقص خطير في المنطقة، فغالبية الدول بالمنطقة -من بينها مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية وسوريا- لم توقع على البروتوكول الإضافي، وعلاوة على ذلك فإن معظم دول الشرق الأوسـط التي تستفيد من بروتوكول الكميات النووية الصغيرة لم تقبل الصيغة المعدلة للبروتوكول عام 2005، والتي بمقتضاها لا يعد البروتوكول قابلا للتطبيق بمجرد التخطيط لمنشأة نووية، وهكذا فإن مثل هذه العيوب أصبحت أكثر خطورة بعد أن كشف التصوير الفوتوغرافي لمواقع الكبار في سوريا عن لجوء بعض الدول إلـى تدابير التمويه والخداع من أجل إخفاء نشاطاتها النووية.
ومن خلال هذا التحليل السابق يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات الجيدة والأخرى السيئة:
أ) فبالنسبة للاستنتاجات الجيدة، يمكن القول إن المشروعات النووية الوطنية التي أعلنت عنها الدول الشرق أوسطية ستستغرق وقتا طويلا إلى أن تؤتي ثمارها، وسيكون لها فائدة محدودة للأغراض العسكرية، كما أنه لأسباب سياسية واقتصادية، فمن غير المرجح أن يستطيع أي بلد في المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة بناء مفاعلات من شأنها أن تسمح بتخصيب اليورانيوم.
ب) أما على صعيد الاستنتاجات السيئة، فثمة أسباب حقيقية تدعو للقلق منهـا:
- قد تستطيع بعض البلدان امتلاك أو تطوير مشروعات صغيرة لإنتاج البلوتنيوم أو إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة عالية. وفي ظل التكلفة المالية التي يمكن تحملها من جانب معظم دول المنطقة فضلا عن عدم توقيعها على البروتوكول الإضافي، فإن هذا الخيار سيكون متاحا لدول مثل الجزائر ومصر والسعودية وسوريا.
- من بين المنشآت المعروفة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن بعض المفاعلات مثل "السـلام" في الجزائر و"أنشاص" في مصر، يمكن استخدامها لإنتـاج البلوتنيوم الصالح للأغراض العسكرية، ولكن هذا الخيار يتطلب إنهاء رقابة الوكالة الدولية أو الاستفادة من تفكك معاهدة حظر الانتشار النووي.
- البرامج النووية المدنية سوف تسهم في تنمية الخبرات العلمية والتقنية، كما أنها قد تكون مفيدة في إخفاء الأنشطة العسكرية.
- التعاون الإقليمي بين العديد من دول المنطقة مثل سوريا ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، سيكون من شأنه تقليل الوقت اللازم لهذه الدول لتطوير قدراتها النووية.
ثانيـا - المحور الإستراتيجـي:
1- الـبـعـد الأمنـي:
في الوقت الذي أصبح فيه البرنامج النووي الإيراني معروفا لدى عامة الناس خلال الفترة من 2002 وحتى 2003، انتشر حينها فكرة مفادها أن هذا البرنامج سيكون عامل استقرار في المنطقة إلـى حد كبير، ولكن مشاعر القلق بشأن البرنامج بدأت في النمو عام 2005 مع تطرف وتشدد السياسة الإيرانية. ومع تزايد عمليات التمرد في العراق فضلا عن الحرب في لبنان، تصاعدت المخاوف من تنامي نفوذ الشيعة إقليميا، والذي يمكن دعمهم من قبل طهران.
ويعد اقتراح دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الخليج بمثابة إشارة واضحة على أن البرنامج النووي الإيراني بالنسبة للخليجيين أخطر من البرنامج الإسرائيلي.
ورغم سعي واشنطن إلـى تعزيز علاقاتها الإستراتيجيـة مع دول مجلس التعاون من خلال زيادة مبيعاتها من المعدات العسكرية لهذه البلدان، فإن ذلك لن يخفف من قلق الدول الخليجية؛ حيث إنه بعد المغامرة الأمريكية في العراق، أصبح لدى دول الخليج قناعة بأن واشنطن لن تقبل الدخول في أي عملية عسكرية أخرى بالمنطقة.
2- المحـور السيـاسـي:
نجحت إيران في جعل برنامجها النووي رمزا للسيادة والهيبة، وقد شجع ذلك دولا أخرى على المضي قُدما في نفس الطريق، وعلاوة على ذلك يرى بعض المحللين أن الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ عام 2001 أسفرت عن انتقادات شديدة لا مثيل لها للقادة العرب من قبل وسائل الإعلام والمثقفين العرب الذين حثوا حكامهم على مناقشة خطط حيازة الأسلحة النووية علنا لاكتساب مظاهر القوة. ومن ثم تعد القيمة الرمزية للبرنامج النووي قوية بشكل خاص في الشرق الأوسط. وفي ظل الظروف الحالية من المشكوك فيه أن تعلن الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط علنا عن أنشطتها النووية العسكرية، لأن ذلك يعني الانسحاب من معاهدة خطر الانتشار النووي، كما أن التكاليف السياسية والتكاليف المرتبطة بها من حيث العقوبات ستكون مرتفعة جدا، ومن ثم فإن الخيار الواقعي الوحيد هو إجراء أنشطة سرية. وقد أكد القصف الإسرائيلي للمفاعل السوري في سبتمبر 2007 أن استخدام القوة العسكرية يمكن أن يكون خيارا ناجعا -في بعض الأحيان- لمعالجة مشكلة الانتشار النووي الناجمة عن برنامج سري، فهذا القصف كان بمثابة جرس إنذار لأي دولة في المنطقة قد يكون لها طموحات نووية مستقبلية.
الدول المثيرة للقلق في المنطقة
فيما يلي الدول المحتمل أن تسير قـدما في الطريق النووي:
(1) الجـزائـر:
تعد الجزائر مصدر قلق في المنطقة لعدة أسباب تتعلق بتأييدها الصريح لإيران، ووجود برنامجها النووي الذي أثار العديد من الشكوك في الماضي، ناهيك عن عدم توقيعها البرتوكول الإضافي. وقد قامت الجزائر بتطوير بنيتها النووية والتي تشمل مفاعلين نوويين ومنشأة صغيرة لإنتاج الوقود، كما أنها تمتلك خبرات تقنية وعلمية على أعلى مستوى في مركز العلوم والتكنولوجيا النووية. ويثير مفاعل "السـلام" الجزائري عدة مخاوف تتعلق بالانتشار النووي، وذلك بسبب أولا: بناؤه بشكل سري عام 1980 بواسطة الصين في منطقة صحراوية، وثانيا: سماته التي تجعله مؤهلا للأنشطة العسكرية، حيث إنه مفاعل ذو نيوترون عالي الفيض ومُخفف بالماء الثقيل.
وبطبيعة الحال فإن الجزائر ليس لديها أي مبرر للبدء في الأنشطة النووية العسكرية، فعلى الرغم من توتر علاقاتها مع بعض الدول المجاورة مثل المغرب وليبيـا، بيد أنها لا تواجه أي خطر أو تهديد عسكري حالي. ومع ذلك فإن الجزائر ربما لا تريد أن تترك مصر أو السعودية لتصبح أي منها الدولة النووية العربية الأولى، فضلا عن أن البرنامج النووي يمكن أن يساهم في تعزيز سيطرة القوات المسلحة على صنع القرار السياسي في البلاد كما هو الحال في باكستان.
(2) مـصـر:
أعلنت القاهرة عن نيتها استئناف برنامجها النووي المدني، وبالنظر إلـى التزايد المتنامي في استهلاك الكهرباء وقلة موارد مصر النفطية، فضلا عن موقعها الإستراتيجي، فإن كل هذه العوامل ترجح بأن تكون مصر دولة رائدة في توليد الكهرباء النووية مستقبلا، على الرغم من الصعوبات المالية التي قد تواجهها. وتضفي الخبرة النووية التي تتمتع بها مصر منذ فترة طويلة مزيدا من المصداقية على هذه الطموحات، فمصر تمتلك اثنين من مفاعلات البحوث يشملان على مفاعل متعدد الأغراض وذي نيوترون عالي الفيض ويوجد في مركز البحوث بأنشاص، وهذا المفاعل ينتج حوالي 6.6 كيلوات من البلوتنيوم سنويا. كما تمتلك مصر منذ عام 1998 منشأتين لصناعة الوقود، ولديها كذلك احتياطات كبيرة من اليورانيوم. وعلى الرغم ما يبدو من تخلي القاهرة عن مشروعاتها العسكرية، فإن الرئيس مبارك أعلن أن هذا الخيار ما زال قائما.
ولدى القاهرة دوافع رئيسية لتطوير برنامجها النووي العسكري، أولها: أنها ترى نفسها زعيمة للعالم العربي ومع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة ونشاط الدبلوماسية السعودية، فإن القاهرة تسعى لتعزيز وضعها الإقليمي.
وثاني الدوافع يتعلق بأنه على المدى الطويل قد تمثل إيران خطرا محتملا في ظل دعمها للحركات المسلحة في لبنان والضفة الغربية وغزة على وجه الخصوص. أما ثالث الدوافع وآخرها فهي أن البرنامج النووي قد يكون له فوائد سياسية داخلية، حيث تفضل جماعة الإخوان المسلمين هذا الخيار من أجل تحقيق التوازن مع إسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أن القاهرة ترفض التوقيع على البروتوكول الإضافي بسبب عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم فمن المتصور أن تلجأ مصر إلـى ممارسة أنشطتها النووية العسكرية اعتمادا على حقيقة مفادها أن إسرائيل لن تجرؤ على توجيه ضربة عسكرية لهذه الأنشطة، لأن مصر -وعلى عكس سوريا- مرتبطة مع تل أبيب بمعاهدة سلام، كما أنها واحدة من الدول الشرق أوسطية القليلة التي تعترف بالكيان الإسرائيلي.
ومع ذلك فإنه في ظل الظروف الراهنة ستمتنع القاهرة عن اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر قد تعرض ركيزتيها الأمنية (السلام مع إسرائيل، والمساعدات الأمريكية) للخطر، في الوقت الذي ستكون الفوائد السياسية الناجمة عن هذه الخطوة محدودة، لأن البرنامج النووي سيكون سريا.
(3) لـيـبيـا:
على الرغم من تحول البرنامج النووي الليبي إلـى برنامج سلمي، فإن طرابلس مازالت تحتفظ بخبرات وبنية تحتية كبيرة ستفيدها إذا أرادت إطلاق برنامج عسكري جديد. ويعمل المفاعل الليبي في تاجورا منذ عام 1981، وهو مفاعل ذو نيوترون عالي الفيض ولكن إنتاجه للبولتنيوم مازال محدودا، حيث إن قوته (10 ميجاوات). ولا توجد أي مؤشرات حاليا على عزم ليبيا البدء في برنامج نووي عسكري جديد.
(4) المملكـة العربيـة السعـوديـة:
تعد التجربة السعودية في المجال النووي محدودة للغاية، حيث يتم إجراء البحوث النووية لتحلية المياه من خلال معهد بحوث الطاقة الذرية الذي أنشئ عام 1988 وقسم الهندسة النووية التابع لجامعة الملك عبد العزيز، وقد انضمت السعودية إلـى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1988 بعد جدل كبير أثير حول حصولها على صواريخ "سي إس إس 2" الصينية. وقد كشفت مصادر وثيقة عن أن السلطات السعودية لديها ثلاث خيارات هي: الحصول على الأسلحة النووية، التحالف مع قوة نووية، والترويج لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وعلى حد ذكر "شاس فريمان" - السفير الأمريكي لدى الرياض عام 2003 - فقد طلب الملك فهد ضمانات نووية من الولايات المتحدة في حال امتلاك إيران أسلحة نووية، ولكن نقص الثقة بين واشنطن والرياض ربما يدفع الأخيرة إلـى البحث عن شركاء آخرين. وتخشى السعودية من وجود أي ترتيبات بين الولايات المتحدة وإيران من شأنها أن تؤدي إلـى تزايد الدور الإيراني بالمنطقة، وستسعى الرياض أيضـا إلـى الردع النووي لمواجهـة أي هجوم محتمل قد تشنه أمريكا على أراضيها في حال وقوع هجمات مشابهة لأحداث 11 سبتمبر.
وقد ثارت العديد من الشائعات عن وجود تفاهم سعودي - باكستاني حول القضايا النووية، ومما عزز هذه الشكوك طلب السعودية عام 2005 من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إبرام بروتوكول الكميات الصغيرة. أما علي المدى الطويل فقد يكون التعاون مع الصين أحد الخيارات المتاحة أمام السعودية، ولكن بالنسبة للوضع الراهن فإن الرياض تريد إظهار حسن النية وأعلنت نيتها التخلي عن اقتناء التكنولوجيا النووية الحساسة.
(5) سـوريـا:
تمتلك دمشق اثنين من مراكز البحوث اللذين يمارس فيهما الأنشطة النووية، وهما: (معهد البحوث العلمية، ومركز دير الحجار للبحوث النووية). ولم تعلن سوريا عن أي طموحات نووية عسكرية على الرغم من أنها لم تخف سعيها إلـى تحقيق التوازن مع إسرائيل من خلال امتلاك أسلحة غير تقليدية.
وقد كان اكتشاف مشروع مفاعل الكبار بمثابة تأكيد أن أي دولة لديها طموح نووي دون التوقيع على البروتوكول الإضافي قد يصعب اكتشافها لسنوات طويلة، كما أن هذا المفاعل قد كشف عن أن كوريا الشمالية مستعدة للدخول في تعاون نووي على نطاق واسع مع دول أخرى. وإذا كان المبرر السوري وراء سعيها لامتلاك الأسلحة النووية هو حماية أراضيها من أي هجمات أمريكية أو إسرائيلية، فإن ذلك يعني أن دمشق ليس لديها ثقة في إمكانية قيام طهران بالدفاع عنها رغم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
ويسعى بشار الأسد إلـى توطيد سلطته من وراء مثل هذه البرامج النووية التي يبدو أنها لم تبدأ إلا بعد صعوده إلـى سدة الحكم.
(6) تـركـيـا:
مثل معظم الدول العربية أعلنت تركيا عزمها استئناف برنامجها النووي المدني، فهي بالفعل لديها بنية تحتية نووية على مستوى عال، ويشمل مركزها البحثي الرئيسي -مركز شكمجي للتدريب والبحوث النووية- منشأتين لتصنيع وتحويل الوقود. كما تمتلك تركيا مفاعلين للبحوث أحدهما يعمل بالماء الخفيف، والآخر تريجا 2، كما أنه لديها منشأة صغيرة لمعالجة النفايات المشعة. وبشكل عام هناك اهتمام ونشاط ملحوظ في أنقرة بالتكنولوجيا والعلوم النووية، كما تعد تركيا من الدول القليلة في المنطقة التي بدأت في وضع الآليات التنظيمية التي تتطلبها البرامج النووية واسعة النطاق، وذلك برعاية هيئة الطاقة الذرية التركية.
وتشعر أنقرة بالقلق من البرنامج النووي الإيراني، كما أنها فقدت الثقة في منظمة حلف شمال الأطلسي، حيث إنه في حادثتين بين عامي 1991 و2003 تردد حلفاء تركيا في الوفاء بالتزاماتهم الأمنية نحوها، علاوة على ذلك فإن العلاقات التركية مع الغرب ليست على ما يرام بسبب حرب العراق والجدل حول أحداث 1915، ناهيك عن الرفض الأوروبي لدخول أنقرة الاتحاد الأوربي.
في ظل هذه الأوضاع فإن النظرة التركية للضمانات الأمنية الغربية ستكون محددا رئيسيا للخيارات النووية المستقبلية لأنقرة، وإذا تبنت تركيا الخيار العسكري فهذا سيكون من شأنه تعميق أزمة عدم الثقة مع الولايات المتحدة وأوروبـا.
محاولة أخرى لتحديد مخاطر الانتشار النووي
أجرت مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية عام 2008 دراسة سعت خلالها إلـى تحديد الدول الشرق أوسطية المتجهة نحو التسليح النووي، واعتمدت الدراسة في هذا الشأن على صنفين من المحددات: إيجابية وسلبية، حيث تشمل المحددات الإيجابية: إدراك الخطر، ومحفزات سياسية محلية ودولية، والقدرات المالية، ووجود خبرة ودراية نووية، والمشروعات النووية المدنية الحالية، وأخيرا وجود برنامج صواريخ باليستيـة نشـط.
أما المحددات السلبية فتتضمن: وجود حماية أجنبية، ودرجة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتكامل الإقليمي، والاعتماد على المساعدات الأمريكية.
وقد توصلت هذه الدراسة إلـى النتائج الآتية حول القدرات النووية لدول المنطقة:
+2 العراق +13 مصر
0 الإمارات +12 سوريا
-3 المغرب +11 الجزائر
-5 تونس +11 السعودية
-8 الكويت +4 تركيا
-9 الأردن +4 ليبيا
ومن خلال هذه النتائج يمكن استخلاص ثلاث دلالات رئيسية، أولها أن الجزائر تقع في نفس الفئة التي تضم مصر وسوريا والسعودية وهي الدول التي تسير في طريقها نحو امتلاك السلاح النووي. وثانيهما أن هذه الدراسة تعد مؤشرا جيدا على التنبؤ بالبرنامج النووي السوري (على الرغم من أنها لم تأخذ في الاعتبار مفاجأة مفاعل الكبار)، أما ثالث الدلالات فهي الرتبة المنخفضة لحد ما لتركيا على عكس الكثير من التوقعات.
*
خبير في "مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية" بباريس، متخصص في مجال انتشار ومنع انتشار الأسلحة النووية في العالم.
*دراسة نشرت في دورية "رؤى إستراتيجية" الإلكترونية، والصادرة مركز الصراعات المعاصرة، تحت عنوان "الحالة النووية المستقبلية للشرق الأوسط"
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى