‮»‬حزب الله‮« ‬ذراع إيـران‮ ..‬ لتحقيق أطماعها في المحيط العربي
السبت مايو 02, 2009 7:26 am
[size=16]هـالة فــؤاد
اكتشاف خلية لحزب الله في مصر أثار ردود فعل كثيرة، فالحزب تحول إلي ذراع لتنفيذ الأطماع والمخططات الإيرانية في المنطقة ونقل معركته مع إسرائيل لخارج حدود لبنان ليتحول من حركة مقاومة إلي خلية تخترق سيادة دولة أخري.. الخبراء يحللون العلاقة العضوية والمادية بين حزب الله وإيران.
د. محمد عبد السلام رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي يري أن الكشف عن خلية حزب الله في مصر حسم جدلا ونقاشا طويلا حول علاقته بإيران وانقسمت الآراء حوله منذ نشأته بين من يراه حزبا لبنانيا مدعوما من إيران ومن يعتبره حزبا إيرانيا يعمل من لبنان وجاءت تحركات الحزب الأخيرة وماحملته من مؤشرات لتحسم هذا الجدل ولتكشف حقيقة الحزب بأنه ذراع لإيران في المنطقة العربية، من أهم هذه المؤشرات أن حزب الله يتبع المرجعية الإيرانية وهذه التبعية لاتقتصر علي الأمور الدينية إنما تمتد إلي الأمور الدنيوية أيضا بحكم العقيدة الشيعية التي ترتكز علي »ولاية الفقيه« الذي يحق له تنظيم كافة الأمور وله القول الفصل فيها.
من ناحية أخري يعتمد حزب الله علي الدعم المالي الإيراني كمصدر أساسي للتمويل، هذا بخلاف مايقوم به من نشاطات اقتصادية والتي لاتشكل الركن الأكبر للتمويل.
إذا أضفنا إلي ذلك أن للحزب علاقة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني والذي يظهر من خلال التدريب والتعاون اللوجستي ندرك إلي أي مدي تعد العلاقة بين حزب الله وإيران شديدة التعقيد والخصوصية.
إلا أن هذه العلاقة ظلت كامنة لسنوات عديدة ظهر فيها حزب الله كحركة مقاومة يقتصر دورها علي الساحة اللبنانية وهو ما استمد منها قوته وقبوله وتأييد الشارع العربي له. إلا أن الأمر تغير بعد اغتيال أحد قيادات الحزب الهامة وهو عماد مغنية والذي شكل نقطة تحول واضحة في تحركات الحزب الذي بدأ في إنشاء عدة فروع تابعة له في العديد من الدول العربية فظهر نشاط الحزب داخل الأراضي العراقية، وأيضا في اليمن، إلا أن الحركة الأكبر كانت في مصر والتي تمثلت في إنشاء تنظيم وضعت له أهدافا كبري تبدو نبيلة إلا أن حقيقتها تكشف الرغبة في العبث باستقرار وأمن البلاد.
وفي رأيه أن هذا التحول الذي طرأ علي حركة حزب الله يرجع إلي ماتعرض له من حصار منذ عام 2006 والذي جعله غير قادر علي ممارسة نشاطاته بشكل كبير داخل الأراضي اللبنانية، ومن ثم اتجه إلي التوسع إلي الخارج ليصل إلي البلاد العربية، والأرجح أن هذا التحول تم بمباركة إيرانية، أو بمعني أدق بطلب إيراني ربما عارضته أطراف داخل حزب الله، إلا أن الجميع امتثل للأمر في النهاية. ليظهر واضحا أنه يتحرك بالكامل وفق الأجندة الإيرانية.
وكشفت خلية الحزب في مصر هذا الدور الجديد الذي بدأ حزب الله في لعبه، والذي استهدف ضرب الاستقرار في مصر من خلال عمليات لتهريب السلاح وعمليات إرهابية ضد السياح وغيرها من العمليات غير المشروعة والتي اتخذت من »القضية الفلسطينية« مجرد غطاء يخفي وراءه غرضها الأساسي.
التغيير الذي طرأ علي حركة حزب الله، كشف من وجهة نظر ـ الدكتور عبد السلام ـ حقيقته والتي ظلت تحجبها صورة الحزب كسلاح للمقاومة في الجنوب اللبناني، والتي جعلت من الصعب لأحد أن يتصور أن يتحول الحزب بهذا الشكل إلي أداة لتنفيذ الأجندة الإيرانية إلا أن هذا التحول خصم كثيرا من قدره وقيمته التي اكتسبها كسلاح للمقاومة وأصبح ينظر الكثيرون له بشيء من التوجس والريبة.
تصدير الثورة
إلا أن التغيير الذي طرأ علي حركة حزب الله لم يكن صادما للبعض ممن يرون أن الحزب منذ نشأته يعد ذراعا قوية لإيران داخل المنطقة، فإيران ـ علي حد تعبير محمد عباس ناجي الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية ـ هي السبب الرئيسي وراء نشأته وصاحبة المبادرة في تأسيسه ـ في الثمانينات ـ بناء علي اقتراح تبناه علي أكبر محتشمي جو ـ سفير إيران في سوريا، بهدف مساعدتها علي تصدير الثورة الإيرانية والتي كان تأسيس المنظمات الشيعية إحدي أهم وسائلها.
فجاء تكوين حزب الله كإحدي آليات تصدير الثورة خارج الأراضي الإيرانية، وجاء اختيار لبنان تحديدا لرغبة طهران أن يصبح لها موطئ قدم في قلب المنطقة حيث الصراع العربي الإسرائيلي، فجاء الحزب ليكون بمثابة الذراع الطولي لها في هذه المنطقة والتي يمكن من خلالها ممارسة أهدافها وأجندتها.
كان طبيعيا أن تدعم إيران حزب الله ماليا ولوجستيا وعسكريا لتخلق بينه وبينها علاقة تحالف استراتيجي فضلا عن تحالف عقائدي ديني يتمثل في المرجعية الدينية، والتي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما أكد أن ولاءه لعلي خامنئي المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية باعتباره المرجع الشيعي الأعلي.
ولهذه المرجعية تبعاتها ليست الدينية فقط إنما السياسية والأمنية والاستراتيجية ومعناها في النهاية أن الحزب ينتمي لشكل كامل لإيران ولايمكن أن يتخذ سياسة معارضة لسياستها سواء علي المستوي الداخلي أو الخارجي.
وبذلك تحول حزب الله إلي ذراع لإيران في المنطقة ليس فقط لمد نفوذها وإنما أيضا باعتباره حائط صد يكون معاونا لها ضد أي مواجهات محتملة تشنها عليها الولايات المتحدة أو إسرائيل، فبالطبع لن يقف حزب الله صامتا في حال تعرض إيران لضربة عسكرية، وسيسرع في فتح جبهة شمال إسرائيل من شأنها تخفيف الضغط علي طهران في حال تعرضها للهجوم.
إلا أن هذا الدور لم يمنع جدلا أثير داخل إيران فيما يتعلق بعلاقتها بحزب الله، خاصة مع تزايد الدعم المادي الذي تقدمه طهران له، والتي قدرتها بعض الاحصائيات بمليار دولار ـ وهو مادعا البعض إلي التفكير في أن يتحول حزب الله إلي حزب سياسي فقط، بينما ذهبت الأصوات المتشددة إلي ضرورة إبقاء الجناح العسكري للحزب باعتباره ركيزة هامة تستند عليها طهران في مواجهتها مع إسرائيل.
هذا لايمنع أن الجناح السياسي للحزب يحاول جاهدا أن يكون له دور مؤثر بالتوازي مع الجناح العسكري في المعادلة السياسية في محاولة لتحقيق استقطاب شعبي كبير، من خلال ما يقدمه من خدمات اجتماعية وإنشاء مؤسسات خيرية ومدارس وتقديم المعونات وتوفير فرص العمل.
وفي رأيه أن هذه الخلية لم تكن الأولي، وأن هناك محاولات للقيام بعمليات في المنطقة العربية ـ خاصة مصر ـ إلا أن التوتر الإقليمي الذي حدث منذ عام 2006 ووصل إلي ذروته عام 2009 جعل من الصعب غض الطرف عن مثل هذه العمليات خاصة بعدما دعا الأمين العام لحزب الله في إحدي خطبه القوات المسلحة المصرية للتمرد علي النظام، وهو ماعكس دورا جديدا لحزب الله تجاوز دوره كحركة مقاومة أكسبته تعاطفا من قبل الشعوب ليتحول إلي أداة في يد الغير متجاوزا كل الخطوط الحمراء وهو ماعرضه للخسارة التي خصمت كثيرا من رصيده كحركة مقاومة.
خطيئة كبري
هذه الخلافات تدفع الدكتور أحمد إبراهيم محمود أستاذ فلسفة بجامعة طنطا والمهتم بالشأن الإيراني: إلي استبعاد رأب الصدع قريبا بين مصر وحزب الله، فالحزب الذي يخدم من وجهة نظره الأجندة الإيرانية، ارتكب خطيئة كبري عندما تجاوز الخطوط الحمراء وقام بالتجسس علي دولة عربية ـ كبري ـ لصالح إيران، وهي جريمة لايصح التهاون معها بل يجب الوقوف أمامها بحسم ومحاسبة مرتكبيها بقوة ليكون رادعا لأي جهة تحاول العبث في أمن واستقرار مصر.
علي جانب آخر في الوقت الذي يعتبر فيه الدكتور رفعت سيد أحمد مدير أحد المراكز البحثية أن ما قام به حزب الله في مصر خطأ كبير يستحق المساءلة والحساب.. إلا أنه يري أن التعامل معه اتسم بالمبالغة والتهويل.
بداية من التضخيم في تناول تلك العلاقة التي تربط الأمين العام لحزب الله بالمرجعية الشيعية الإيرانية، فهذه العلاقة ـ في رأيه ـ هي مجرد رابطة مذهبية عقائدية تتعلق بطبيعة المذهب الشيعي، الذي تمثل المرجعية الدينية إحدي ركائز عقيدته، والمعروف أن جزءا من شيعة لبنان مرتبطون بالمرجعية الشيعية الإيرانية وهناك جزء آخر غير مرتبط بها.
والمرجعية الدينية ـ علي حد قوله ـ تختلف عن العلاقة السياسية، فالولاء الديني لايمنع أن يكون لحزب الله هامش حركة سياسي مستقل عن إيران، من خلاله يمكن العمل بشكل فردي ووفقا لأجندة داخلية خاصة بالحزب، وربما تتفق الأجندة الخارجية للطرفين وإن اختلفت أولوياتها بالنسبة لكل طرف، لكن يبقي في النهاية هامش لحرية الحركة للحزب خاصة في الداخل ويصعب علي إيران فرض تحالفات تلزمه بتحركات معينة لسببين، أولهما أن إيران لاتفهم كثيرا أو بمعني أدق لايعنيها كثيرا الشأن الداخلي اللبناني فلديها أولويات إقليمية أهم منها ما يتعلق بملفها النووي ومنها مايتعلق بدروها في العراق.
ومن ثم يصبح من قبيل تسطيح الأمور وعدم الموضوعية النظر لحزب الله باعتباره عميلا لإيران، ربما يربطه بها نوع من التوافق فرضته مصالح مشتركة متعلقة ببعض القضايا، منها علاقة كل من الطرفين بسوريا وعلاقتهما بالقضية الفلسطينية، هذا التوافق خلق نوعا من التحالف بينهما، وهو مايعد ذكاء سياسيا منهما خاصة في ظل موازين وصراعات قوية في المنطقة وفي ظل احتلال أمريكي لدولة عربية وعربدة إسرائيلية في كثير من الأراضي العربية.
واتهام حزب الله بالعمالة لإيران بعد تاريخه الحافل ربما يفتح الباب بسهولة لاتهام آخرين بنفس التهمة، من ثم يجب عدم المبالغة والتهويل ووضع الأمور في حجمها الحقيقي.
فأجندة حزب الله الإقليمية واللبنانية تختلف عن الأجندة الإيرانية بدرجات وهو مايجعل من الخطأ اعتباره أداة وذراعا إيرانية في المنطقة.
ماساعد علي ذلك هو اعتراف حسن نصر الله بانتماء أحد أعضاء الخلية لحزب الله، مبررا ذلك بدعمه للمقاومة الفلسطينية، وهي في نظري وسيلة خاطئة حتي لو كان الهدف منها نبيلا، فلا يصح انتهاك سيادة دولة بحجة دعم المقاومة، فالدعم يجب أن يأخذ الشكل الرسمي وعبر القنوات والطرق الشرعية، بالاتفاق مع الدولة لا أن يتم من وراء ظهرها.
من هنا يجب الاعتراف بأن حسن نصر الله قد أخطأ، وعليه يجب أن تتم المحاسبة بقدر الخطأ وإن كانت الحكمة تقتضي أيضا الانتظار حتي تثبت الإدانة ويتحدد مدي حجمها وخطورتها وعليها يمكن تحديد شكل وحجم الجزاء فيأخذ المتهم عقابه مع التعهد بعدم انتهاك الأراضي المصرية واختراق سيادتها.
من حق مصر أن تحاكم وتعاقب وتعاتب لكن يجب أن يتم ذلك بما يخدم المصالح العربية، الحكمة تقتضي أن تطوق القضية وألا تضرب بخيوطها إلي مالانهاية، فامتدادها يعني أن كل الأطراف خاسرة وإسرائيل هي المستفيد الوحيد.. وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنستوعب كلمات شيمون بيزير التي صرح بها عقب الكشف عن خلية حزب الله في مصر عندما قال:
»إنهم يتقاتلون.. هذا شيء مفرح.. دعهم يتقاتلون فهذا ما يسعد إسرائيل«.
بينما يري الباحث عباس ناجي أن تسوية الخلاف بين مصر وحزب الله تعتمد علي العلاقة بين مصر وإيران، وحدوث نوع من تلطيف الأجواء والمقاربة بين ملفات الخلاف بينهما من شأنها أن تنعكس إيجابيا علي علاقة مصر بحزب الله والعكس صحيح.
ويتوقع الدكتور محمد عبد السلام مزيدا من التوتر وتفاقم الأزمة بين حزب الله ومصر، خاصة أمام ما يبديه حزب الله ـ من وجهة نظره ـ من ردود أفعال تبدو عنيفة ـ واستمراره فيها ربما يدفع لمواجهة مفتوحة بين الطرفين.
كافة الاحتمالات مازالت مفتوحة أمام الأزمة، وتجاوزها لن يتم إلا بتقديم حزب الله اعتذارا إلي مصر وإن بدا هذا السيناريو غير مطروح علي الأقل علي المدي القريب، أما الأقرب للتوقع هو الاستمرار في محاكمة المتهمين قضائيا ربما تحمل اعترافات المتهمين اسرارا جديدة تحمل معها نهاية أو ربما مزيدا من التفاقم للأزمة.
[/size]اكتشاف خلية لحزب الله في مصر أثار ردود فعل كثيرة، فالحزب تحول إلي ذراع لتنفيذ الأطماع والمخططات الإيرانية في المنطقة ونقل معركته مع إسرائيل لخارج حدود لبنان ليتحول من حركة مقاومة إلي خلية تخترق سيادة دولة أخري.. الخبراء يحللون العلاقة العضوية والمادية بين حزب الله وإيران.
د. محمد عبد السلام رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي يري أن الكشف عن خلية حزب الله في مصر حسم جدلا ونقاشا طويلا حول علاقته بإيران وانقسمت الآراء حوله منذ نشأته بين من يراه حزبا لبنانيا مدعوما من إيران ومن يعتبره حزبا إيرانيا يعمل من لبنان وجاءت تحركات الحزب الأخيرة وماحملته من مؤشرات لتحسم هذا الجدل ولتكشف حقيقة الحزب بأنه ذراع لإيران في المنطقة العربية، من أهم هذه المؤشرات أن حزب الله يتبع المرجعية الإيرانية وهذه التبعية لاتقتصر علي الأمور الدينية إنما تمتد إلي الأمور الدنيوية أيضا بحكم العقيدة الشيعية التي ترتكز علي »ولاية الفقيه« الذي يحق له تنظيم كافة الأمور وله القول الفصل فيها.
من ناحية أخري يعتمد حزب الله علي الدعم المالي الإيراني كمصدر أساسي للتمويل، هذا بخلاف مايقوم به من نشاطات اقتصادية والتي لاتشكل الركن الأكبر للتمويل.
إذا أضفنا إلي ذلك أن للحزب علاقة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني والذي يظهر من خلال التدريب والتعاون اللوجستي ندرك إلي أي مدي تعد العلاقة بين حزب الله وإيران شديدة التعقيد والخصوصية.
إلا أن هذه العلاقة ظلت كامنة لسنوات عديدة ظهر فيها حزب الله كحركة مقاومة يقتصر دورها علي الساحة اللبنانية وهو ما استمد منها قوته وقبوله وتأييد الشارع العربي له. إلا أن الأمر تغير بعد اغتيال أحد قيادات الحزب الهامة وهو عماد مغنية والذي شكل نقطة تحول واضحة في تحركات الحزب الذي بدأ في إنشاء عدة فروع تابعة له في العديد من الدول العربية فظهر نشاط الحزب داخل الأراضي العراقية، وأيضا في اليمن، إلا أن الحركة الأكبر كانت في مصر والتي تمثلت في إنشاء تنظيم وضعت له أهدافا كبري تبدو نبيلة إلا أن حقيقتها تكشف الرغبة في العبث باستقرار وأمن البلاد.
وفي رأيه أن هذا التحول الذي طرأ علي حركة حزب الله يرجع إلي ماتعرض له من حصار منذ عام 2006 والذي جعله غير قادر علي ممارسة نشاطاته بشكل كبير داخل الأراضي اللبنانية، ومن ثم اتجه إلي التوسع إلي الخارج ليصل إلي البلاد العربية، والأرجح أن هذا التحول تم بمباركة إيرانية، أو بمعني أدق بطلب إيراني ربما عارضته أطراف داخل حزب الله، إلا أن الجميع امتثل للأمر في النهاية. ليظهر واضحا أنه يتحرك بالكامل وفق الأجندة الإيرانية.
وكشفت خلية الحزب في مصر هذا الدور الجديد الذي بدأ حزب الله في لعبه، والذي استهدف ضرب الاستقرار في مصر من خلال عمليات لتهريب السلاح وعمليات إرهابية ضد السياح وغيرها من العمليات غير المشروعة والتي اتخذت من »القضية الفلسطينية« مجرد غطاء يخفي وراءه غرضها الأساسي.
التغيير الذي طرأ علي حركة حزب الله، كشف من وجهة نظر ـ الدكتور عبد السلام ـ حقيقته والتي ظلت تحجبها صورة الحزب كسلاح للمقاومة في الجنوب اللبناني، والتي جعلت من الصعب لأحد أن يتصور أن يتحول الحزب بهذا الشكل إلي أداة لتنفيذ الأجندة الإيرانية إلا أن هذا التحول خصم كثيرا من قدره وقيمته التي اكتسبها كسلاح للمقاومة وأصبح ينظر الكثيرون له بشيء من التوجس والريبة.
تصدير الثورة
إلا أن التغيير الذي طرأ علي حركة حزب الله لم يكن صادما للبعض ممن يرون أن الحزب منذ نشأته يعد ذراعا قوية لإيران داخل المنطقة، فإيران ـ علي حد تعبير محمد عباس ناجي الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية ـ هي السبب الرئيسي وراء نشأته وصاحبة المبادرة في تأسيسه ـ في الثمانينات ـ بناء علي اقتراح تبناه علي أكبر محتشمي جو ـ سفير إيران في سوريا، بهدف مساعدتها علي تصدير الثورة الإيرانية والتي كان تأسيس المنظمات الشيعية إحدي أهم وسائلها.
فجاء تكوين حزب الله كإحدي آليات تصدير الثورة خارج الأراضي الإيرانية، وجاء اختيار لبنان تحديدا لرغبة طهران أن يصبح لها موطئ قدم في قلب المنطقة حيث الصراع العربي الإسرائيلي، فجاء الحزب ليكون بمثابة الذراع الطولي لها في هذه المنطقة والتي يمكن من خلالها ممارسة أهدافها وأجندتها.
كان طبيعيا أن تدعم إيران حزب الله ماليا ولوجستيا وعسكريا لتخلق بينه وبينها علاقة تحالف استراتيجي فضلا عن تحالف عقائدي ديني يتمثل في المرجعية الدينية، والتي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما أكد أن ولاءه لعلي خامنئي المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية باعتباره المرجع الشيعي الأعلي.
ولهذه المرجعية تبعاتها ليست الدينية فقط إنما السياسية والأمنية والاستراتيجية ومعناها في النهاية أن الحزب ينتمي لشكل كامل لإيران ولايمكن أن يتخذ سياسة معارضة لسياستها سواء علي المستوي الداخلي أو الخارجي.
وبذلك تحول حزب الله إلي ذراع لإيران في المنطقة ليس فقط لمد نفوذها وإنما أيضا باعتباره حائط صد يكون معاونا لها ضد أي مواجهات محتملة تشنها عليها الولايات المتحدة أو إسرائيل، فبالطبع لن يقف حزب الله صامتا في حال تعرض إيران لضربة عسكرية، وسيسرع في فتح جبهة شمال إسرائيل من شأنها تخفيف الضغط علي طهران في حال تعرضها للهجوم.
إلا أن هذا الدور لم يمنع جدلا أثير داخل إيران فيما يتعلق بعلاقتها بحزب الله، خاصة مع تزايد الدعم المادي الذي تقدمه طهران له، والتي قدرتها بعض الاحصائيات بمليار دولار ـ وهو مادعا البعض إلي التفكير في أن يتحول حزب الله إلي حزب سياسي فقط، بينما ذهبت الأصوات المتشددة إلي ضرورة إبقاء الجناح العسكري للحزب باعتباره ركيزة هامة تستند عليها طهران في مواجهتها مع إسرائيل.
هذا لايمنع أن الجناح السياسي للحزب يحاول جاهدا أن يكون له دور مؤثر بالتوازي مع الجناح العسكري في المعادلة السياسية في محاولة لتحقيق استقطاب شعبي كبير، من خلال ما يقدمه من خدمات اجتماعية وإنشاء مؤسسات خيرية ومدارس وتقديم المعونات وتوفير فرص العمل.
وفي رأيه أن هذه الخلية لم تكن الأولي، وأن هناك محاولات للقيام بعمليات في المنطقة العربية ـ خاصة مصر ـ إلا أن التوتر الإقليمي الذي حدث منذ عام 2006 ووصل إلي ذروته عام 2009 جعل من الصعب غض الطرف عن مثل هذه العمليات خاصة بعدما دعا الأمين العام لحزب الله في إحدي خطبه القوات المسلحة المصرية للتمرد علي النظام، وهو ماعكس دورا جديدا لحزب الله تجاوز دوره كحركة مقاومة أكسبته تعاطفا من قبل الشعوب ليتحول إلي أداة في يد الغير متجاوزا كل الخطوط الحمراء وهو ماعرضه للخسارة التي خصمت كثيرا من رصيده كحركة مقاومة.
خطيئة كبري
هذه الخلافات تدفع الدكتور أحمد إبراهيم محمود أستاذ فلسفة بجامعة طنطا والمهتم بالشأن الإيراني: إلي استبعاد رأب الصدع قريبا بين مصر وحزب الله، فالحزب الذي يخدم من وجهة نظره الأجندة الإيرانية، ارتكب خطيئة كبري عندما تجاوز الخطوط الحمراء وقام بالتجسس علي دولة عربية ـ كبري ـ لصالح إيران، وهي جريمة لايصح التهاون معها بل يجب الوقوف أمامها بحسم ومحاسبة مرتكبيها بقوة ليكون رادعا لأي جهة تحاول العبث في أمن واستقرار مصر.
علي جانب آخر في الوقت الذي يعتبر فيه الدكتور رفعت سيد أحمد مدير أحد المراكز البحثية أن ما قام به حزب الله في مصر خطأ كبير يستحق المساءلة والحساب.. إلا أنه يري أن التعامل معه اتسم بالمبالغة والتهويل.
بداية من التضخيم في تناول تلك العلاقة التي تربط الأمين العام لحزب الله بالمرجعية الشيعية الإيرانية، فهذه العلاقة ـ في رأيه ـ هي مجرد رابطة مذهبية عقائدية تتعلق بطبيعة المذهب الشيعي، الذي تمثل المرجعية الدينية إحدي ركائز عقيدته، والمعروف أن جزءا من شيعة لبنان مرتبطون بالمرجعية الشيعية الإيرانية وهناك جزء آخر غير مرتبط بها.
والمرجعية الدينية ـ علي حد قوله ـ تختلف عن العلاقة السياسية، فالولاء الديني لايمنع أن يكون لحزب الله هامش حركة سياسي مستقل عن إيران، من خلاله يمكن العمل بشكل فردي ووفقا لأجندة داخلية خاصة بالحزب، وربما تتفق الأجندة الخارجية للطرفين وإن اختلفت أولوياتها بالنسبة لكل طرف، لكن يبقي في النهاية هامش لحرية الحركة للحزب خاصة في الداخل ويصعب علي إيران فرض تحالفات تلزمه بتحركات معينة لسببين، أولهما أن إيران لاتفهم كثيرا أو بمعني أدق لايعنيها كثيرا الشأن الداخلي اللبناني فلديها أولويات إقليمية أهم منها ما يتعلق بملفها النووي ومنها مايتعلق بدروها في العراق.
ومن ثم يصبح من قبيل تسطيح الأمور وعدم الموضوعية النظر لحزب الله باعتباره عميلا لإيران، ربما يربطه بها نوع من التوافق فرضته مصالح مشتركة متعلقة ببعض القضايا، منها علاقة كل من الطرفين بسوريا وعلاقتهما بالقضية الفلسطينية، هذا التوافق خلق نوعا من التحالف بينهما، وهو مايعد ذكاء سياسيا منهما خاصة في ظل موازين وصراعات قوية في المنطقة وفي ظل احتلال أمريكي لدولة عربية وعربدة إسرائيلية في كثير من الأراضي العربية.
واتهام حزب الله بالعمالة لإيران بعد تاريخه الحافل ربما يفتح الباب بسهولة لاتهام آخرين بنفس التهمة، من ثم يجب عدم المبالغة والتهويل ووضع الأمور في حجمها الحقيقي.
فأجندة حزب الله الإقليمية واللبنانية تختلف عن الأجندة الإيرانية بدرجات وهو مايجعل من الخطأ اعتباره أداة وذراعا إيرانية في المنطقة.
ماساعد علي ذلك هو اعتراف حسن نصر الله بانتماء أحد أعضاء الخلية لحزب الله، مبررا ذلك بدعمه للمقاومة الفلسطينية، وهي في نظري وسيلة خاطئة حتي لو كان الهدف منها نبيلا، فلا يصح انتهاك سيادة دولة بحجة دعم المقاومة، فالدعم يجب أن يأخذ الشكل الرسمي وعبر القنوات والطرق الشرعية، بالاتفاق مع الدولة لا أن يتم من وراء ظهرها.
من هنا يجب الاعتراف بأن حسن نصر الله قد أخطأ، وعليه يجب أن تتم المحاسبة بقدر الخطأ وإن كانت الحكمة تقتضي أيضا الانتظار حتي تثبت الإدانة ويتحدد مدي حجمها وخطورتها وعليها يمكن تحديد شكل وحجم الجزاء فيأخذ المتهم عقابه مع التعهد بعدم انتهاك الأراضي المصرية واختراق سيادتها.
من حق مصر أن تحاكم وتعاقب وتعاتب لكن يجب أن يتم ذلك بما يخدم المصالح العربية، الحكمة تقتضي أن تطوق القضية وألا تضرب بخيوطها إلي مالانهاية، فامتدادها يعني أن كل الأطراف خاسرة وإسرائيل هي المستفيد الوحيد.. وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنستوعب كلمات شيمون بيزير التي صرح بها عقب الكشف عن خلية حزب الله في مصر عندما قال:
»إنهم يتقاتلون.. هذا شيء مفرح.. دعهم يتقاتلون فهذا ما يسعد إسرائيل«.
بينما يري الباحث عباس ناجي أن تسوية الخلاف بين مصر وحزب الله تعتمد علي العلاقة بين مصر وإيران، وحدوث نوع من تلطيف الأجواء والمقاربة بين ملفات الخلاف بينهما من شأنها أن تنعكس إيجابيا علي علاقة مصر بحزب الله والعكس صحيح.
ويتوقع الدكتور محمد عبد السلام مزيدا من التوتر وتفاقم الأزمة بين حزب الله ومصر، خاصة أمام ما يبديه حزب الله ـ من وجهة نظره ـ من ردود أفعال تبدو عنيفة ـ واستمراره فيها ربما يدفع لمواجهة مفتوحة بين الطرفين.
كافة الاحتمالات مازالت مفتوحة أمام الأزمة، وتجاوزها لن يتم إلا بتقديم حزب الله اعتذارا إلي مصر وإن بدا هذا السيناريو غير مطروح علي الأقل علي المدي القريب، أما الأقرب للتوقع هو الاستمرار في محاكمة المتهمين قضائيا ربما تحمل اعترافات المتهمين اسرارا جديدة تحمل معها نهاية أو ربما مزيدا من التفاقم للأزمة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى