اقوى صفعات المخابرات العامه للموساد
الأربعاء أبريل 29, 2009 9:14 am
السقوط في بئر الخيانه
بقلم عزت السعدني باحث في الشؤن الامنيه ومحلل في الاهرام
بلادي وإن جارت علي عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا علي كرام..
هكذا نطق المتنبي.. فالوطن هو الأرض والحقل والنهر والنخيل والطيور والزهور.. والمرح والفرح والترح والبيوت التي تغلق أبوابها كل غروب علي حب ودفء وسكن وونس وعناق.. وتفتح أبوابها كل شروق علي الأمل والحلم ودعاء الأمهات وكركعة الأطفال.
والوطن مكانه القلب ونحن نسكن أركانه ونسبح بزورق أحلامنا وأمانينا وأوجاعنا في شرايينه.. فهو نبضنا وسر حياتنا.. ونحن حلمه وأمله وحماته من غربان الدول.. وحماقات القدم الهمجية.. ونحن زرعه وضرعه ونبته الطيب ورصيده للأيام الصعبة.. والليالي الحالكة السواد..
ننجح يفرح.. نصيب يصفق ويربت.. نخطيء يسامح ويصالح ويعفو.. لكن أن نخون.. أن نغدر.. أن نشي.. أن نطعن من الخلف.. أن نبيع وطنا بحاله.. بأرضه بسمائه بناسه بنسائه بأطفاله بزهوره بحقول الحنطة وأشجار التين والزيتون.. بعرق المصلوبين تحت الشمس في الحقول.. بحضارته بنبعه ببحره بأمجاد الأجداد وطموحات الآباء وأحلام الأحفاد.. بكتبه وأشعاره ومواويله وغناوي الصبايا علي شط الترعة وفي أحضان الساقية العجوز.. بدينه وإيمانه.. بخلقه القويم.. ألف كلا.. وألف لا.. إنه والله آوان الإفك العظيم..
ولعله أصعب سؤال في حياة الإنسان والأوطان.. ذلك الذي سألته لي زوجتي وهي تقرأ خبر السقوط المهين لاثنين من أبناء الوطن رفاق الزرع والضرع بعد متابعة مضنية من عيون رجال المخابرات المصرية البواسل الذين لا يهدأون لحظة ولا ينامون.. يوما بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة لمشوار وقوعهما المخزي في أيدي الموساد الإسرائيلي:
كيف هان عليهما الوطن؟
كيف هانت عليهما مصر؟
كيف هان عليهما الرفاق؟
يبيع وطنا بحاله.. عشان حفنة دولارات أو ليلة مع عاهرة محترفة تبيع جسدها لكل من هب ودب؟
كيف سيواجه نظرات الحسرة واليأس والضياع في عيون أطفاله وزوجته؟ ماذا سيقول لهم
ماذا سيقول لأمه؟
وماذا يفعل لأبيه واسمه وشرفه وعرضه ليوم الدين؟
كيف يمشي في الشارع وتظلله أشجار الطريق؟
وكم تساوي أن يتجنب الصغار في المدرسة صغاره.. وربما يعايرونه بأن أباه باع وطنه؟!
ألم يسمع يوما من المذياع صغيرا: وطني وصباي وأحلامي.. لنجاة الصغيرة.؟
ألم يسمع يوما فنان الشعب سيد درويش وهو ينشد:
بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي..
مصر أولادك كرام.. أوفياء يرعوا الزمام..
ألم يسمع أم كلثوم وهي تشدو بكلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أنا إن قدر الإله مماتي
لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة علي وجارت..
ثم زالت وتلك عقبي التعدي
إنني حرة كسرت قيودي..
رغم أنف العدا وكسرت قدي..
ألم يسمع يوما أم كلثوم وهي تشدو من كلمات أحمد رامي:
مصر التي في خاطري وفي فمي..
أحبها من كل روحي ودمي؟
ألم يسمع عبدالحليم حافظ وهو يغرد:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان
بالأحضان يا حبيبتي يا أمي.. يا بلادي يا غنيوة في دمي؟
بدلا من أن يأخذها محمد سيد صابر الخبير النووي المصري وزميله في بيع الأوطان محمد العطار.. بالأحضان طعناها من الخلف.. وباعاها بأرخص ثمن.. حفنة من الدولارات وتحلل جنسي وديني وليالي حمراء مع بنات كباريهات.
ما أبخس الثمن وما أبشع الجريمة.. خيانة.. تجسس.. بيع أوطان!
وتصوروا معي ماذا يمكن أن يقدم للعدو.. خبيرا عالما متدربا تحت عينيه كنز من المعلومات النووية الخاصة بالمفاعل النووي المصري في أنشاص؟
وتصوروا ماذا يمكن أن يقدم للموساد محمد عصام العطار الذي غير جنسيته المصرية إلي الكندية.. ثم غير دينه من الإسلام إلي المسيحية برغم أن اسمه محمد.. فلا كسبت المسيحية ولا خسر الإسلام؟
مهمته كانت تجنيد خلايا من طلاب مصر والدول العربية في تركيا وكندا لمصلحة الموساد الإسرائيلي حتي وقع في أيدي رجال المخابرات الذين كانوا في انتظاره في المطار.
وفي الآخر كان نصيبه خمسة عشر سنة سجنا مشددا جزاء سقوطه في بئر الخيانة مع عملاء الموساد الهاربين الثلاثة.. بينما زميله محمد سيد صابر النووي الذي غرق هو الآخر في ظلمات عالم الندامة.. مازال ينتظر حكم العدالة.
والحصيلة ضربتان موجعتان للموساد الإسرائيلي في أقل من شهرين.. وانتصار بالضربة القاضية المخابراتية للعقول المصرية المخلصة والساهرة علي أمن الوطن
.
اذهب أنت وربك فقاتلا!
وملف التجسس أو العسس ـ كما كان يطلق عليه العرب ـ معرفة أخبار الأعداء.. هو بالقطع أقدم ملف عرفه الإنسان.. من يوم أن عرف القراءة والكتابة.. ملف عمره من عمر الإنسان نفسه, وبحسب حسبة المؤرخين, فإن الجاسوسية مع الدعارة هما أقدم مهنتين في التاريخ الإنساني كله, وعمرها يتجاوز الأربعين وربما الخمسين قرنا من الزمان.
بل إن مهنة الجاسوسية بالحرف مكتوبة في التوراة الذي أنزله الله علي نبيه موسي عليه السلام.. عندما كلف يهوا ـ أي الله ـ نبيه موسي كليم الله بالتجسس علي بلاد كنعان.. وهو هنا أمر إلهي إلي نبي ورسول..
ومن يومها وعلي مدي مشوار طوله أربعة وثلاثون قرنا.. ولهم معنا نحن المصريين ومع العالم كله.. صولات وجولات وروايات ومطاردات.. وملفات وقصص ولا قصص الأساطير وحكاوي ألف ليلة وليلة..
والآن ماذا قال الرب لسيدنا موسي ؟
نحن الآن في عام1400 قبل الميلاد..
يقول الكتاب المقدس: ثم كلم الرب موسي قائلا: أرسل رجالا ليتجسسوا أرض كنعان, التي أنا معطيها لبني إسرائيل, رجلا واحدا لكل سبط من أبنائه ترسلون
وعاد جواسيس موسي ليقولوا:
إن كنعان أرض يتدفق منها اللبن والشهد, وإن كان سكانها من العمالقة الجبابرة الضخام..
وأرض كنعان للذين لا يعلمون هي أرض فلسطين بعد هروبهم من مصر.
ولكن قوم سيدنا موسي كعادة اليهود ماطلوه وجادلوه عندما قال لهم نبي الله إن الله طلب منهم أن يأتوا ببقرة, فراحوا يسألونه ما لونها.. كم عمرها.. إن البقر تشابه علينا!
وعندما طلب منهم سيدنا موسي أن يعدوا العدة للقتال وغزو أرض كنعان التي وعدهم بها الرب.. تقاعسوا وقالوا له قولتهم التاريخية كما جاء في القرآن الكريم:
اذهب أنت وربك فقاتلا.. إنا هاهنا قاعدون
فغضب عليهم الرب وأتاههم في صحاري وجبال سيناء أربعين سنة.. وهي ما يطلقون عليها أعوام التيه وبعد40 عاما قضاها الإسرائيليون في تردد وتوجس وخيفة تغلبت الرغبة في اللبن والشهد عندهم علي الخوف من الجبابرة العماليق بتأثير معلومات مخابراتية من جاسوسين معينين هما( كالب ويوشع) تقدم الإسرائيليون ودخلوا أرض كنعان.. فلسطين الآن
السقوط في بئر الخيانة
التقارير المخابراتية بين يدي ـ والذي كتب عنها الزميل عماد الصابر في جريدة الكرامة قبل أيام ـ تكشف عن حقائق مذهلة قد لا يعرفها الكثيرون..
* أولها أن الموساد الإسرائيلي ولد في القاهرة, وبالذات داخل المعبد اليهودي في شارع عدلي في عام1947..
* والموساد سعي دائما للإيقاع بالشباب المصري الذي يسافر إلي إسرائيل, أو أي دولة أوروبية أو دولة مثل تركيا.. يساعده علي ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل+ وصف وسائل الإعلام كلها إسرائيل بالدولة الصديقة+ حالة الإحباط عند الشباب الباحث عن عمل.. أي عمل+ عمليات التطبيع الصناعية والزراعية والتجارية وزيارات رجال أعمال مصريين إلي إسرائيل+ رحلات السياحة الإسرائيلية المفتوحة طوال العام+ التبادل الثقافي بين الجامعات ومراكز الأبحاث.
* ومن هنا فقد تم ضبط25 شبكة تجسس إسرائيلية في مصر منها9 شبكات خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. وقد بلغ عدد جواسيس الموساد الذين تم تجنيدهم والدفع بهم إلي مصر67 جاسوسا25% منهم إسرائيليون و75% مصريون من بينهم محمد عصام العطار ورقمه66 في مسلسل الخونة ومحمد سيد صابر ورقمه67
.
سلاحهم الجنس والمال!
وقد يسأل سائل: حدثنا عن أشهر حوادث التجسس التي مرت علي أرض مصر من بعد معاهدة السلام مع إسرائيل.
والجواب: إن إسرائيل وجدت في مصر أرضا خصبة بعد المعاهدة.. ومن ثم فقد بدأ التجسس الإسرائيلي منذ اليوم الأول لبدء العلاقات بين البلدين:
1 ـ فقد تمكنت أجهزة الأمن المصرية الساهرة من ضبط شبكة تجسس إسرائيلية في عام1985 مكونة من9 أفراد ضمن وفد سياحي علي دفعتين: واحد توجه إلي الإسكندرية والثاني إلي منطقة القناة.
2 ـ وفي اغسطس1986 ضبطوا شبكة اخري داخل المركز الاكاديمي الإسرائيلي في القاهرة, إلي جانب سيدة أمريكية تعمل في هيئة المعونة الأمريكية.. وقد التقطوا أفلاما لوحدات من الجيش المصري في أثناء الليل تم تصويرها بأشعة الليزر.
3 ـ وفي عام1990 ألقت أجهزة الأمن القبض علي إبراهيم مصباح عوارة لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيليين في تحريض الفتاة المصرية سحر علي القيام بالتخابر ضد مصر, وكانت سحر قد رفضت التجسس علي وطنها, وأبلغت أجهزة الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها, وتم ضبط العميل وصدر ضده حكم بالسجن15 سنة.
4 ـ وفي عام1992 سقطت شبكة آل مصراتي التي ضمت4 جواسيس وهم: صبحي مصراتي وأولاده: ماجد وفائقة وجاسوس آخر هو ديفيد اوفيتس.
واعترفت فائقة بأنها استغلت جمالها لإقامة علاقات جنسية مع الشبان المصريين الذين يشغلون مراكز في أجهزة مهمة, وتمكنت فائقة بهذا الاسلوب من جمع معلومات مهمة وبالغة السرية, وقامت بإرسالها إلي الموساد عن طريق ضابط مخابرات إسرائيلي حضر الي مصر علي فترات متفاوتة لتلقي المعلومات والتقارير من أعضاء شبكة التجسس.
5 ـ وفي اغسطس1997 سقط بين أيدي رجال المخابرات المصرية الجاسوس سمير عثمان الذي سقط في أثناء قيامه بالتجسس مرتديا بدلة الغوص, حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل,
6 ـ أما أغرب قضايا التجسس علي مصر, فكانت قضية الجاسوس سمحان موسي مطير, فهي المرة الاولي التي يتم فيها تجنيد تاجر مخدرات ليكون جاسوسا لإسرائيل, وهذا ما حدث مع سمحان الذي اتفق معه رجال الموساد علي تسليمه مخدرات مقابل تسليمهم معلومات عن مصر.
7 ـ وفي شهر أكتوبر الماضي كانت المصادفة وراء الكشف عن شبكة لتهريب السائحين من مصر إلي إسرائيل عبر دروب وجبال سيناء.. عندما اختفي16 سائحا صينيا كانوا في رحلة سفاري
.
حكاية رأفت الهجان
ولعل أقوي الصفعات علي مدي الصراع المخابراتي الأزلي بيننا وبينهم اسطورة رأفت الهجان التي صورها في حلقات تليفزيونية النجم الصديق محمود عبدالعزيز..
وهنا عرف الإسرائيليون لأول مرة حقيقة ذلك الرجل الذي عاش بينهم وزود مصر بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو1967, وكان له دور فعال للغاية في الإعداد لحرب أكتوبر1973 بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط برليف, كما أنه كون امبراطورية سياحية داخل إسرائيل ولم يكشف أحد أمره!
واعترفت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية أخيرا وكتبت تقول:
** جاك بيتون ما هو إلا رجل مصري مسلم دفعت به المخابرات المصرية إلي إسرائيل واسمه الحقيقي رفعت علي سليمان الجمال من أبناء مدينة دمياط بمصر.
وقالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية الواسعة الانتشار: إن الجمال عبقرية مصرية استطاع أن يحقق أهداف بلاده, ونجح في أن يعود إلي وطنه سالما ويموت طبيعيا علي فراش!
الحفار الإسرائيلي يغرق!
ولعل أخطر صفعة وجهتها مصر في صراعها مع إسرائيل.. هي تدمير الحفار الإسرائيلي في أبيدجان..
والعملية بطلها العقيد بحري متقاعد أنور عطية.. والقصة الأسطورية كما هي مكتوبة في سجلات التاريخ:
** في نهاية عام1969, وفي ذروة الصراع العربي ـ الإسرائيلي, وبعد عامين من نكسة1967, أعلنت إسرائيل عن عزمها التنقيب عن البترول في سيناء, وقامت بالفعل باستئجار حفار أمريكي ليقوم بالتنقيب عن البترول في خليج السويس تحت سمع وأبصار المصريين.
ووصلت المعلومات إلي المخابرات الحربية والمخابرات العامة بوجود حفار بالفعل واسمه كينتج1 وأنه يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه للساحل الغربي لإفريقيا ليتوقف في أحد موانيها للتزود بالوقود, ثم ليتخذ طريقه إلي الجنوب ليدور حول القارة الإفريقية ويتجه إلي البحر الأحمر ثم إلي خليج السويس!
وكان القرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتدمير الحفار قبل وصوله إلي خليج السويس أيا كان الثمن وبأي وسيلة.
ولكن كان القرار قد اتخذ بالفعل وكان لابد من تدمير الحفار أيا كان الثمن..
وعملية تدمير الحفار كانت من أروع وأعظم العمليات التي تمت من خلال سيمفونية بطولية رائعة تم عزفها بتناغم وانسجام كامل بين كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية والقوات البحرية ووزارة الخارجية.
عملية متكاملة أدي فيها كل شخص دوره علي أكمل وأجمل ما يكون.
هل سأل واحد ممن سقطوا في بئر الخيانة نفسه: ماذا سيقول لابنه؟
وماذا ترك لأسرته.. العار وحده؟
ألم يسأل نفسه يوما: ماذا لو قال زميل لابنه في المدرسة متهكما: انت يا بن.. ياللي أبوك خان الوطن!
كم تساوي؟
كل كنوز الدنيا لا تساوي طأطأة رأس الصغير والدموع في عينيه وهروبه من أعين الرفاق
بقلم عزت السعدني باحث في الشؤن الامنيه ومحلل في الاهرام
بلادي وإن جارت علي عزيزة.. وأهلي وإن ضنوا علي كرام..
هكذا نطق المتنبي.. فالوطن هو الأرض والحقل والنهر والنخيل والطيور والزهور.. والمرح والفرح والترح والبيوت التي تغلق أبوابها كل غروب علي حب ودفء وسكن وونس وعناق.. وتفتح أبوابها كل شروق علي الأمل والحلم ودعاء الأمهات وكركعة الأطفال.
والوطن مكانه القلب ونحن نسكن أركانه ونسبح بزورق أحلامنا وأمانينا وأوجاعنا في شرايينه.. فهو نبضنا وسر حياتنا.. ونحن حلمه وأمله وحماته من غربان الدول.. وحماقات القدم الهمجية.. ونحن زرعه وضرعه ونبته الطيب ورصيده للأيام الصعبة.. والليالي الحالكة السواد..
ننجح يفرح.. نصيب يصفق ويربت.. نخطيء يسامح ويصالح ويعفو.. لكن أن نخون.. أن نغدر.. أن نشي.. أن نطعن من الخلف.. أن نبيع وطنا بحاله.. بأرضه بسمائه بناسه بنسائه بأطفاله بزهوره بحقول الحنطة وأشجار التين والزيتون.. بعرق المصلوبين تحت الشمس في الحقول.. بحضارته بنبعه ببحره بأمجاد الأجداد وطموحات الآباء وأحلام الأحفاد.. بكتبه وأشعاره ومواويله وغناوي الصبايا علي شط الترعة وفي أحضان الساقية العجوز.. بدينه وإيمانه.. بخلقه القويم.. ألف كلا.. وألف لا.. إنه والله آوان الإفك العظيم..
ولعله أصعب سؤال في حياة الإنسان والأوطان.. ذلك الذي سألته لي زوجتي وهي تقرأ خبر السقوط المهين لاثنين من أبناء الوطن رفاق الزرع والضرع بعد متابعة مضنية من عيون رجال المخابرات المصرية البواسل الذين لا يهدأون لحظة ولا ينامون.. يوما بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة لمشوار وقوعهما المخزي في أيدي الموساد الإسرائيلي:
كيف هان عليهما الوطن؟
كيف هانت عليهما مصر؟
كيف هان عليهما الرفاق؟
يبيع وطنا بحاله.. عشان حفنة دولارات أو ليلة مع عاهرة محترفة تبيع جسدها لكل من هب ودب؟
كيف سيواجه نظرات الحسرة واليأس والضياع في عيون أطفاله وزوجته؟ ماذا سيقول لهم
ماذا سيقول لأمه؟
وماذا يفعل لأبيه واسمه وشرفه وعرضه ليوم الدين؟
كيف يمشي في الشارع وتظلله أشجار الطريق؟
وكم تساوي أن يتجنب الصغار في المدرسة صغاره.. وربما يعايرونه بأن أباه باع وطنه؟!
ألم يسمع يوما من المذياع صغيرا: وطني وصباي وأحلامي.. لنجاة الصغيرة.؟
ألم يسمع يوما فنان الشعب سيد درويش وهو ينشد:
بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي..
مصر أولادك كرام.. أوفياء يرعوا الزمام..
ألم يسمع أم كلثوم وهي تشدو بكلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أنا إن قدر الإله مماتي
لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة علي وجارت..
ثم زالت وتلك عقبي التعدي
إنني حرة كسرت قيودي..
رغم أنف العدا وكسرت قدي..
ألم يسمع يوما أم كلثوم وهي تشدو من كلمات أحمد رامي:
مصر التي في خاطري وفي فمي..
أحبها من كل روحي ودمي؟
ألم يسمع عبدالحليم حافظ وهو يغرد:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان
بالأحضان يا حبيبتي يا أمي.. يا بلادي يا غنيوة في دمي؟
بدلا من أن يأخذها محمد سيد صابر الخبير النووي المصري وزميله في بيع الأوطان محمد العطار.. بالأحضان طعناها من الخلف.. وباعاها بأرخص ثمن.. حفنة من الدولارات وتحلل جنسي وديني وليالي حمراء مع بنات كباريهات.
ما أبخس الثمن وما أبشع الجريمة.. خيانة.. تجسس.. بيع أوطان!
وتصوروا معي ماذا يمكن أن يقدم للعدو.. خبيرا عالما متدربا تحت عينيه كنز من المعلومات النووية الخاصة بالمفاعل النووي المصري في أنشاص؟
وتصوروا ماذا يمكن أن يقدم للموساد محمد عصام العطار الذي غير جنسيته المصرية إلي الكندية.. ثم غير دينه من الإسلام إلي المسيحية برغم أن اسمه محمد.. فلا كسبت المسيحية ولا خسر الإسلام؟
مهمته كانت تجنيد خلايا من طلاب مصر والدول العربية في تركيا وكندا لمصلحة الموساد الإسرائيلي حتي وقع في أيدي رجال المخابرات الذين كانوا في انتظاره في المطار.
وفي الآخر كان نصيبه خمسة عشر سنة سجنا مشددا جزاء سقوطه في بئر الخيانة مع عملاء الموساد الهاربين الثلاثة.. بينما زميله محمد سيد صابر النووي الذي غرق هو الآخر في ظلمات عالم الندامة.. مازال ينتظر حكم العدالة.
والحصيلة ضربتان موجعتان للموساد الإسرائيلي في أقل من شهرين.. وانتصار بالضربة القاضية المخابراتية للعقول المصرية المخلصة والساهرة علي أمن الوطن
.
اذهب أنت وربك فقاتلا!
وملف التجسس أو العسس ـ كما كان يطلق عليه العرب ـ معرفة أخبار الأعداء.. هو بالقطع أقدم ملف عرفه الإنسان.. من يوم أن عرف القراءة والكتابة.. ملف عمره من عمر الإنسان نفسه, وبحسب حسبة المؤرخين, فإن الجاسوسية مع الدعارة هما أقدم مهنتين في التاريخ الإنساني كله, وعمرها يتجاوز الأربعين وربما الخمسين قرنا من الزمان.
بل إن مهنة الجاسوسية بالحرف مكتوبة في التوراة الذي أنزله الله علي نبيه موسي عليه السلام.. عندما كلف يهوا ـ أي الله ـ نبيه موسي كليم الله بالتجسس علي بلاد كنعان.. وهو هنا أمر إلهي إلي نبي ورسول..
ومن يومها وعلي مدي مشوار طوله أربعة وثلاثون قرنا.. ولهم معنا نحن المصريين ومع العالم كله.. صولات وجولات وروايات ومطاردات.. وملفات وقصص ولا قصص الأساطير وحكاوي ألف ليلة وليلة..
والآن ماذا قال الرب لسيدنا موسي ؟
نحن الآن في عام1400 قبل الميلاد..
يقول الكتاب المقدس: ثم كلم الرب موسي قائلا: أرسل رجالا ليتجسسوا أرض كنعان, التي أنا معطيها لبني إسرائيل, رجلا واحدا لكل سبط من أبنائه ترسلون
وعاد جواسيس موسي ليقولوا:
إن كنعان أرض يتدفق منها اللبن والشهد, وإن كان سكانها من العمالقة الجبابرة الضخام..
وأرض كنعان للذين لا يعلمون هي أرض فلسطين بعد هروبهم من مصر.
ولكن قوم سيدنا موسي كعادة اليهود ماطلوه وجادلوه عندما قال لهم نبي الله إن الله طلب منهم أن يأتوا ببقرة, فراحوا يسألونه ما لونها.. كم عمرها.. إن البقر تشابه علينا!
وعندما طلب منهم سيدنا موسي أن يعدوا العدة للقتال وغزو أرض كنعان التي وعدهم بها الرب.. تقاعسوا وقالوا له قولتهم التاريخية كما جاء في القرآن الكريم:
اذهب أنت وربك فقاتلا.. إنا هاهنا قاعدون
فغضب عليهم الرب وأتاههم في صحاري وجبال سيناء أربعين سنة.. وهي ما يطلقون عليها أعوام التيه وبعد40 عاما قضاها الإسرائيليون في تردد وتوجس وخيفة تغلبت الرغبة في اللبن والشهد عندهم علي الخوف من الجبابرة العماليق بتأثير معلومات مخابراتية من جاسوسين معينين هما( كالب ويوشع) تقدم الإسرائيليون ودخلوا أرض كنعان.. فلسطين الآن
السقوط في بئر الخيانة
التقارير المخابراتية بين يدي ـ والذي كتب عنها الزميل عماد الصابر في جريدة الكرامة قبل أيام ـ تكشف عن حقائق مذهلة قد لا يعرفها الكثيرون..
* أولها أن الموساد الإسرائيلي ولد في القاهرة, وبالذات داخل المعبد اليهودي في شارع عدلي في عام1947..
* والموساد سعي دائما للإيقاع بالشباب المصري الذي يسافر إلي إسرائيل, أو أي دولة أوروبية أو دولة مثل تركيا.. يساعده علي ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل+ وصف وسائل الإعلام كلها إسرائيل بالدولة الصديقة+ حالة الإحباط عند الشباب الباحث عن عمل.. أي عمل+ عمليات التطبيع الصناعية والزراعية والتجارية وزيارات رجال أعمال مصريين إلي إسرائيل+ رحلات السياحة الإسرائيلية المفتوحة طوال العام+ التبادل الثقافي بين الجامعات ومراكز الأبحاث.
* ومن هنا فقد تم ضبط25 شبكة تجسس إسرائيلية في مصر منها9 شبكات خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. وقد بلغ عدد جواسيس الموساد الذين تم تجنيدهم والدفع بهم إلي مصر67 جاسوسا25% منهم إسرائيليون و75% مصريون من بينهم محمد عصام العطار ورقمه66 في مسلسل الخونة ومحمد سيد صابر ورقمه67
.
سلاحهم الجنس والمال!
وقد يسأل سائل: حدثنا عن أشهر حوادث التجسس التي مرت علي أرض مصر من بعد معاهدة السلام مع إسرائيل.
والجواب: إن إسرائيل وجدت في مصر أرضا خصبة بعد المعاهدة.. ومن ثم فقد بدأ التجسس الإسرائيلي منذ اليوم الأول لبدء العلاقات بين البلدين:
1 ـ فقد تمكنت أجهزة الأمن المصرية الساهرة من ضبط شبكة تجسس إسرائيلية في عام1985 مكونة من9 أفراد ضمن وفد سياحي علي دفعتين: واحد توجه إلي الإسكندرية والثاني إلي منطقة القناة.
2 ـ وفي اغسطس1986 ضبطوا شبكة اخري داخل المركز الاكاديمي الإسرائيلي في القاهرة, إلي جانب سيدة أمريكية تعمل في هيئة المعونة الأمريكية.. وقد التقطوا أفلاما لوحدات من الجيش المصري في أثناء الليل تم تصويرها بأشعة الليزر.
3 ـ وفي عام1990 ألقت أجهزة الأمن القبض علي إبراهيم مصباح عوارة لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيليين في تحريض الفتاة المصرية سحر علي القيام بالتخابر ضد مصر, وكانت سحر قد رفضت التجسس علي وطنها, وأبلغت أجهزة الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها, وتم ضبط العميل وصدر ضده حكم بالسجن15 سنة.
4 ـ وفي عام1992 سقطت شبكة آل مصراتي التي ضمت4 جواسيس وهم: صبحي مصراتي وأولاده: ماجد وفائقة وجاسوس آخر هو ديفيد اوفيتس.
واعترفت فائقة بأنها استغلت جمالها لإقامة علاقات جنسية مع الشبان المصريين الذين يشغلون مراكز في أجهزة مهمة, وتمكنت فائقة بهذا الاسلوب من جمع معلومات مهمة وبالغة السرية, وقامت بإرسالها إلي الموساد عن طريق ضابط مخابرات إسرائيلي حضر الي مصر علي فترات متفاوتة لتلقي المعلومات والتقارير من أعضاء شبكة التجسس.
5 ـ وفي اغسطس1997 سقط بين أيدي رجال المخابرات المصرية الجاسوس سمير عثمان الذي سقط في أثناء قيامه بالتجسس مرتديا بدلة الغوص, حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل,
6 ـ أما أغرب قضايا التجسس علي مصر, فكانت قضية الجاسوس سمحان موسي مطير, فهي المرة الاولي التي يتم فيها تجنيد تاجر مخدرات ليكون جاسوسا لإسرائيل, وهذا ما حدث مع سمحان الذي اتفق معه رجال الموساد علي تسليمه مخدرات مقابل تسليمهم معلومات عن مصر.
7 ـ وفي شهر أكتوبر الماضي كانت المصادفة وراء الكشف عن شبكة لتهريب السائحين من مصر إلي إسرائيل عبر دروب وجبال سيناء.. عندما اختفي16 سائحا صينيا كانوا في رحلة سفاري
.
حكاية رأفت الهجان
ولعل أقوي الصفعات علي مدي الصراع المخابراتي الأزلي بيننا وبينهم اسطورة رأفت الهجان التي صورها في حلقات تليفزيونية النجم الصديق محمود عبدالعزيز..
وهنا عرف الإسرائيليون لأول مرة حقيقة ذلك الرجل الذي عاش بينهم وزود مصر بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو1967, وكان له دور فعال للغاية في الإعداد لحرب أكتوبر1973 بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط برليف, كما أنه كون امبراطورية سياحية داخل إسرائيل ولم يكشف أحد أمره!
واعترفت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية أخيرا وكتبت تقول:
** جاك بيتون ما هو إلا رجل مصري مسلم دفعت به المخابرات المصرية إلي إسرائيل واسمه الحقيقي رفعت علي سليمان الجمال من أبناء مدينة دمياط بمصر.
وقالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية الواسعة الانتشار: إن الجمال عبقرية مصرية استطاع أن يحقق أهداف بلاده, ونجح في أن يعود إلي وطنه سالما ويموت طبيعيا علي فراش!
الحفار الإسرائيلي يغرق!
ولعل أخطر صفعة وجهتها مصر في صراعها مع إسرائيل.. هي تدمير الحفار الإسرائيلي في أبيدجان..
والعملية بطلها العقيد بحري متقاعد أنور عطية.. والقصة الأسطورية كما هي مكتوبة في سجلات التاريخ:
** في نهاية عام1969, وفي ذروة الصراع العربي ـ الإسرائيلي, وبعد عامين من نكسة1967, أعلنت إسرائيل عن عزمها التنقيب عن البترول في سيناء, وقامت بالفعل باستئجار حفار أمريكي ليقوم بالتنقيب عن البترول في خليج السويس تحت سمع وأبصار المصريين.
ووصلت المعلومات إلي المخابرات الحربية والمخابرات العامة بوجود حفار بالفعل واسمه كينتج1 وأنه يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه للساحل الغربي لإفريقيا ليتوقف في أحد موانيها للتزود بالوقود, ثم ليتخذ طريقه إلي الجنوب ليدور حول القارة الإفريقية ويتجه إلي البحر الأحمر ثم إلي خليج السويس!
وكان القرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتدمير الحفار قبل وصوله إلي خليج السويس أيا كان الثمن وبأي وسيلة.
ولكن كان القرار قد اتخذ بالفعل وكان لابد من تدمير الحفار أيا كان الثمن..
وعملية تدمير الحفار كانت من أروع وأعظم العمليات التي تمت من خلال سيمفونية بطولية رائعة تم عزفها بتناغم وانسجام كامل بين كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية والقوات البحرية ووزارة الخارجية.
عملية متكاملة أدي فيها كل شخص دوره علي أكمل وأجمل ما يكون.
هل سأل واحد ممن سقطوا في بئر الخيانة نفسه: ماذا سيقول لابنه؟
وماذا ترك لأسرته.. العار وحده؟
ألم يسأل نفسه يوما: ماذا لو قال زميل لابنه في المدرسة متهكما: انت يا بن.. ياللي أبوك خان الوطن!
كم تساوي؟
كل كنوز الدنيا لا تساوي طأطأة رأس الصغير والدموع في عينيه وهروبه من أعين الرفاق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى